اوراق خاصة

الرّد الإسرائيلي المفخخ يؤكد أحقية المقاومة

post-img

حسين كوراني

يعيش لبنان حالة من الترّقب بانتظار رّد "إسرائيل" على ورقة حكومته التي حملها المبعوث الأميركي توم برّاك اليها، والذي وصل إلى بيروت أمس الاثنين ( 25 آب 2025) على رأس وفد أميركي. وفي حال صحّت التسريبات الإعلامية التي تحدثت عن شروط "إسرائيلية" تطلب إفراغ بعض القرى الجنوبية من سكانها بشكل كامل وبعضها بشكل جزئي وتحويلها إلى منطقة صناعية، سينتج عنها تداعيات مباشرة على الداخل اللبناني، وتحديدًا على العلاقة بين "الثنائي الشيعي" من جهة، وقصر بعبدا والسراي الحكومي وكلّ  من حرّض على نزع سلاح المقاومة من جهة ثانية.

 ورغم أن الرّد "الإسرائيلي"  هذا يندرج ضمن ما بات يعرف باقتراح انشاء المنطقة العازلة التي تسعى إليها "تل أبيب" مع لبنان وكانت قد أعلنت عنها أكثر من مرة، الا أن هذا المقترح فاجأ خصوم المقاومة في الداخل والخارج، خاصة أنه يتعاطى مع لبنان بمنطق المهزوم.

وفي حال نقل برّاك الطّرح "الإسرائيلي" إلى المسؤولين اللبنانيين، فإن قرارات حكومة نواف سلام "العتيدة" حول حصرية السلاح بيد الدولة، يُفترض أن تكون بحكم الملغاة، وبالتالي العودة إلى اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في أواخر تشرين الثاني الماضي، والى الأولويات التي وردت في خطاب القسم والبيان الوزاري، من البدء بالانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة والمباشرة بإعادة الإعمار وإطلاق سراح الأسرى، وكلّ  ما عدا ذلك سيكون تفريطًا بالأرض والسيادة والكرامة الوطنية.

وهذا بالطبع، سيعطي المقاومة أحقية في الدفاع عن موقفها في رفضها تسليم سلاحها في ظل عدم احترام حكومة سلام لأولويات خطاب القسم وبيانها الوزاري ورضوخها للإملاءات "الإسرائيلية" ـ الأميركية، وفي ظل تجاهلها لنوايا "إسرائيل" التي أخذت تصعّد من اعتداءاتها وانتهاكاتها للسيادة اللبنانية، من الغارات إلى الاغتيالات إلى التوسع نحو نقاط سادسة وسابعة إلى جولة رئيس أركان جيش الاحتلال في الجنوب وتأكيده أنه لا تراجع عمّا تقوم به قواته، وكلّ  ذلك حصل بعد أن أصدرت حكومة سلام القرارين القاضيين بحصرية السلاح وبالالتزام بالورقة الأميركية في الخامس والسابع من آب الجاري.

بالمقابل، يرى المراقبون أن هناك حالة من الغليان تسيطر على جمهور المقاومة وبيئتها الحاضنة، نتيجة التقاعس والتخاذل والصّمت المتعمّد الذي تنتهجه الحكومة اللبنانية عمّا يجري وتصم آذانها ولا تحرك ساكنًا، حتّى أنها لم تتجرأ على إصدار أي بيان استنكار أو إدانة للاعتداءات "الإسرائيلية" أو تقديم شكوى إلى مجلس الأمن. والطامة الكبرى صمتها المُطبق والمُريب عن تصريحات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو حول مهمته التوراتية في انشاء "إسرائيل" الكبرى.

كل ما يجري يؤكد أن إستراتيجية الأميركيين اليوم، والتي هي عمليًا إستراتيجية "إسرائيل"، بدأت تنحرف من تجاوز عملية نزع سلاح المقاومة إلى عملية عدوانية استيطانية منظمة ومخطّط لها على أن تصل من خلالها إلى فرض معاهدة التطبيع على لبنان والطلب من حكومته أن يصادق عليها تحت الضغط، تارة بالتهويل الاقتصادي الأميركي والخليجي وتارة بعودة العدوان "الإسرائيلي". ومن يطلع على مجريات المفاوضات "الإسرائيلية" ـ السورية يصل إلى هذه النتيجة، إذ طُلب من دمشق عدم تدريب جيشها وتسليحه كي يبقى فاقدًا للسيطرة داخليًا وعاجزًا عن المواجهة خارجيًا.

وأهم مظاهر هذه الإستراتيجية يكمن في الآتي:

 أولًا: فرض إخراج قرار نزع سلاح حزب الله، بشكل معقّد وغير قابل للتطبيق عمليًا، من خلال رفض مبدأ التسلسل المنطقي بانسحاب الاحتلال وإعادة الإعمار وطرح موضوع السلاح في أطر التوافق الوطني، عبر إستراتيجية أمن وطني أو إستراتيجية دفاعية.

ثانيًا: المسارعة إلى طرح فكرة منطقة اقتصادية، في المنطقة الحدودية جنوب لبنان، قبل إيجاد حل لموضوع إنهاء الاحتلال وإعادة الإعمار وتأمين سبل عودة أهالي البلدات الحدودية. وهكذا، يحمل هذا الطرح كثيرًا من النقاط المنتجة للتطبيع مع العدو، حيث لن يكون هناك عمليًا إمكان لهكذا منطقة حدودية، من دون وجود عملية تبادل تجاري أو مشاركة إدارة واستثمار أعمال تجارية، الأمر الذي لا يمكن أن يحصل، لا عمليًا ولا قانونيًا ولا تجاريًا، من دون وجود نواة علاقات سياسية، والتي هي عمليًا: التطبيع.

النتيجة الواضحة، أن لبنان سيظل عالقًا بين حسابات واشنطن و"تل أبيب" من جهة، وتقديرات المقاومة ورئاسة الجمهورية من جهة أخرى. فلا انفجار شاملًا يبدو وشيكًا، ولا حلول حاسمة تلوح في الأفق، إنما مجرد إدارة للأزمة، عبر رسائل متبادلة ومحاولات متكرّرة لتجنب الانزلاق الكبير، وهو ما قد يطبع المشهد اللبناني في الأشهر المقبلة.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد