عمر عبدالباقي (لبنان الكبير)
على أبواب العام الدراسي الجديد، يعود ملف الأقساط المدرسية إلى الواجهة بقوة، مثقلاً بموجة من الاعتراضات والجدل بين إدارات المدارس والأهالي. فالكثير من العائلات فوجئت بإبلاغها عن زيادات لم تكن في الحسبان، تحت عنوان “مساهمة للمدرسة”، ما أثار غضبًا واسعًا لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين الذين يرزحون أصلاً تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة.
هذه التطورات تطرح أسئلة ملحّة: ما حقيقة الزيادات التي طالت الأقساط؟ وما نسبها الفعلية؟ وهل تعبّر فعلاً عن كلفة تشغيلية متنامية تتحمّلها المؤسسات التربوية، أم أنها عبء إضافي يُلقى على كاهل الأهالي من دون الأخذ بظروفهم المعيشية؟
الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر أقرّ بوجود زيادات على الأقساط، موضحًا أنّ السبب يعود إلى القانون 12/2025 الذي ألزم المدارس دفع المساهمات بالدولار الأميركي بدلاً من الليرة اللبنانية. وأشار إلى أنّ نسب الزيادة تتراوح بين 20 و25%، منها 10% مباشرة على الأهل، والباقي مرتبط برواتب الأساتذة.
وبينما تؤكد إدارات المدارس أنّ هذه الزيادات ضرورية لضمان استمرار المؤسسات التعليمية وتحسين أوضاع المعلمين، يرى كثير من الأهالي أنّها تشكّل عبئًا جديدًا لا قدرة لهم على تحمّله، خصوصًا أن جزءًا كبيرًا منهم ما زال يتقاضى رواتب متدنية لا تتجاوز الحد الأدنى للأجور.
وتتضارب الأرقام المتداولة حول نسب الزيادة: فبينما يصرّ اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة على أنّها تراوحت بين 25 و35%، يذهب ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى القول إنّها بلغت 80% في بعض المدارس، ما يزيد الغموض والارتباك.
وأوضح الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين لموقع “لبنان الكبير” أنّه ما زال في مرحلة جمع المعلومات حول معدل تراوح الأقساط المدرسية للعام الدراسي الجديد، مشيرًا إلى أنّ المعطيات الأولية تكشف عن زيادات متفاوتة وُصفت بـ”الكارثية”.
وقال شمس الدين: “من خلال ما جمعناه حتى الآن، تبيّن أنّ جميع المدارس رفعت أقساطها، بنسب تراوحت بين 20% و70%، وفي بعض الحالات وصلت إلى الضعف، بينما الأجور والرواتب ما زالت على حالها، وهو أمر غير مبرَّر ويثقل كاهل الأهالي”.
ولفت إلى أنّ العمل مستمر لإعداد دراسة شاملة بالأرقام الدقيقة خلال الأيام المقبلة، مؤكّدًا أنّ “الصورة الأولية واضحة: لا توجد أي مدرسة خفّضت أقساطها، بل الكل اتجه إلى الزيادة”.
زيادات الأقساط غير قانونية وغير مبررة
أكدت رئيسة اتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة لمى الطويل، في حديث خاص لموقع “لبنان الكبير”، أنّ الأقساط المدرسية للعام الدراسي الجديد تشهد ارتفاعات كبيرة تتراوح ما بين 500 و1800 دولار، مشيرةً إلى أنّ هذه الزيادات لا تتجاوز نسبتها 15% مقارنة بالعام الماضي، “لكنها تأتي في ظل غياب أي تغيّر اقتصادي فعلي يبررها”.
وأوضحت الطويل أنّ المدارس كانت قد فرضت زيادات في العام الماضي بذريعة قانون لم يصدر، “واليوم تعود وتضيف زيادات جديدة على الأساس نفسه، من دون أن تلتزم بدفع كامل حقوق الأساتذة”، لافتةً إلى أنّ “معظم المدارس لم تدفع أكثر من 70% من الرواتب للأساتذة مقارنة بما كانوا يتقاضونه قبل الأزمة، في حين أنّ عددًا قليلًا جدًا منهم حصل على كامل رواتبه”.
وشددت على أنّ هذه الزيادات تعتبر غير قانونية “طالما أن المدارس لا تصرّح عن المبالغ بالدولار التي تتقاضاها من الأهالي، وطالما أنّ لجان الأهل لم تدرس الموازنات المدرسية”.
وأضافت الطويل أنّ اتحاد لجان الأهل يتابع الموضوع مع وزارة التربية، مؤكدة أنّ الوزيرة “مسؤولة عن القطاعين الخاص والرسمي على حد سواء”، ودعتها إلى تشكيل مجالس تحكيمية (قضاء تربوي) لحماية الأهالي، وفرض حد أقصى وحد أدنى للأقساط.
وكشفت أنّ الاتحاد أجرى دراسة شملت 1720 موازنة مدرسية من مختلف الانتماءات الدينية والسياسية، وتبيّن أنّ الزيادات العادلة يجب أن تتراوح بين 50 و150 دولارًا فقط، معتبرةً أنّ “كل ما يزيد عن ذلك هو زيادات غير مبرّرة”.
وختمت الطويل بالتشديد على أنّ “الصرخة اليوم باتت كبيرة، وعلى العهد الجديد، عهد الإصلاح والتغيير، أن يلتفت إلى ملف المدارس الخاصة لضبط هذه العشوائية، عبر إقرار تعديل القانون 515”.