علي عواد/جريدة ألأخبار
مضطرًا، استمعتُ إلى حلقة عرضتها منصة «سبوت شوت» مع هادي وهاب، ابن رئيس حزب «التوحيد اللبناني» وئام وهاب، التي عُرضت قبل أسبوعين.
هناك نوع من الحساسية الجلدية يُصاب بها المرء، عندما يستمع إلى شاب لبناني أتى من عائلة أعطته كل ما يحتاج إليه من تعليم جيد وسكن وتكاليف الزواج، ثم يطل عبر الشاشات ليتحدث عن مشكلات الناس والبلد والمنطقة.
استهل هادي كلامه بالقول إن المواطنة أمر يُكتسب، واستنكر رمي أعقاب السجائر من السيارات وعدم إفساح المجال أمام سيارات الإسعاف، وقال إن هؤلاء يفعلون ذلك، ثم يتهكمون على من يحاول أن يعظهم، ولا يحترمون الدولة التي يجب أن تفعل شيئًا في هذا الخصوص.
تابع وهاب (الابن) وقال إن الناس بحاجة إلى «دورة بني آدم»، وهي عبارة انتبهتُ خلال مشاهدتي المقابلة أنها قادمة من المسلسل السوري الكوميدي «الخربة» (بطولة دريد لحام ورشيد عساف)، الذي عُرض للمرة الأولى عام 2011. عاد هادي مرة أخرى إلى هذا المسلسل واعتبر أن العلاقة بين سوريا و«إسرائيل» تشبه العلاقة بين شخصية «نُفّجي» وشخصية «توفيق» (علاقة زواج مضطربة تسود فيها نفجة على توفيق، ثم حاول توفيق الانتفاض عليها في النهاية لكنها صفعته، ويشبه ذلك بالقصف الإسرائيلي على سوريا).
قال إن القضية الفلسطينية انتهت في 7 أكتوبر في انتظار الإعلان الرسمي، مضيفًا أنّ الفلسطينيين لا يفهمون ما فعلوه، وتساءل إن كان يحيى السنوار قد جندته «إسرائيل». ثم خرج بمقولة وطلب من الإعلامي أن يسجّلها له: «إذا بدأ الانفصال في السويداء، لن ينتهي لا في لبنان ولا سوريا ولا العراق، بل سيمتد إلى إيران وتركيا». وعندما سأله المذيع إن حصل التقسيم في سوريا، هل يلحقه لبنان؟ أجاب: «ما بعرف». ثم تحدث عن فرضية أن قيام دولة درزية في السويداء يفرض الحاجة إلى شاطئ. وعندما سأله المذيع إن كانت منطقة الدامور قد تكون تلك الواجهة البحرية، أجاب: «ربما». ثم تذكر وقال إن حدود سايكس بيكو انتهت.
لكي يحمي نفسه من تبعات ما قاله، جلب المظلومية الدرزية وفرشها على الطاولة، وقال إن الدولة تعاملهم على أنهم مكوّن أقلوي.
بعدها، شرد ذهني قليلًا، ثم عادت إليّ حاسة السمع، فوجدت هادي يحدثنا عن المبعوثة الأميركية مورغن أورتاغوس. واستذكر أغنية ظهرت في مسلسل لبناني يفترض أنه كوميدي بعنوان «بسمات الوطن» (أخرجه شربل خليل وبدأ عرضه عام 1995). في المناسبة، هذا المسلسل الذي تابعه جيل كامل من الشباب اللبناني في طفولته، مثّل أسوأ ما صدّرته قناة LBCI من تفاهة وسوء تصوير لجسد المرأة وتشويه لصورة المجتمع اللبناني. على الهامش، شعرت أن القناة تتمنى لو تمحو هذا الأمر من تاريخها.
المهم أن هادي الذي بدا أنه تابع كل حلقات المسلسل، تذكّر أغنية تؤديها شخصية تدعى «موفق» تدعو النساء إلى إخفاء بناتهن لأن موفق هذا سيأتي إليهن. حوّل هادي هذه الكلمات ليتحدث عن جمال أورتاغوس الذي ذوّب الرجال فأعطوها ما تريد. ما هذا يا وئام؟ ألا تعلم أن إكثار الأطفال من مشاهدة التلفزيون يضرّ بعقولهم؟
توجه إلى جمهور المقاومة ودعاه إلى عدم الاستماع إلى بعض الصحافيين الذين وصفهم بـ«علوش وحسّون وما بعرف شو أساميهم هودي». وبمعزل عن صحة اتهامه لبعضهم بالمبالغة، عبّر عن تنميط فجّ، يرى أنهم «محمودات كلّن». ترحّم على الشهداء الذين صدّوا العدو، ثم تحدث عن التفوق الإسرائيلي وعبثية القتال. وقال: «هذا الشيعي الذي استشهد أقاربه أو تهجر لا يملك مياهًا في منزله. أليست الأولوية حل مشكلة المياه؟ إلا إذا كان لديهم مخطط كبير جدًا: قتل الإسرائيلي من خلال الرائحة». ما هذا يا وئام؟
عندما سأله المذيع إذا حصل اجتياح إسرائيلي للبنان، فهل يشارك في صده؟ أجاب: «كلا، كان هذا طموحي قبل 15 عامًا، لكن هذا تغيّر، ولا يمكن جرّي إلى معركة أنا غير مقتنع فيها». قال إن ابن الجنوب يدافع عن أرضه ومنزله، لكنه تساءل عن موقعه هو في السياسة من ذلك القتال.
عن التفتت الحاصل في المؤسسات اللبنانية وتحول كل شخص أو مجموعة إلى حماية نفسها، سأله ماذا تفعل قرية «الجاهلية» في هذا الوضع؟ أجاب: «الجاهلية محمية. وخلال فترة الخطر الأمني (عندما حصلت العمليات في السويداء)، كل من نظر إلى السماء رأى الحماية». وعندما رد عليه بأنّ مَن يملك الطيران في الجو هو الإسرائيلي، أجاب: «ربما تكون طائرة من دون طيار. درون درزية». ثم سأله إن كان الطيارون الدروز في «جيش» الاحتلال سيحموهم، أجاب: «إذا أردتَ قتلي، يشارك في حمايتي أيُّ شخصٍ كان». ثم استدرك وقال إنه يمزح، ثم أضاف: «إذا حصل تهديد حقيقي، كل شيء مباح ومتاح».
أعلن أنه درزي الانتماء ويحلم بدولة علمانية في لبنان، وتمنى أن نفعل مثل أوروبا عندما أزاحت الدين عن السياسة. ثم تهكّم على الذين يتحدثون عن الإمبريالية، قائلًا: «انظر أين أصبحت الإمبريالية، أنا أريد أن أكون إمبرياليًا، أريد أن أتمثل بالإمبريالية».
مؤسف واقع هذا الشاب، مدلل، لديه مشكلة مع اسمه ومع الناس ومع التاريخ، لكنّ بلاءه الأكبر أنه استمع إلى أفكار والده طوال الوقت، فكوّنت في عقله مسارات عصبية تقنعه بأنّ التناقض في حديثه يخلق له مكانًا يستطيع أن يقف فيه ويتحدث منه بأحلامه وتصوراته من دون أي فهم حقيقي. ومشكلة وهاب الأب أنه يريد أن يكون الزعيم وليد جنبلاط. والقصد هنا ليس التشبه بجنبلاط، إنما أن يكون هو جنبلاط نفسه.
ثقافة «بسمات وطنية»، مسّها شعور بالحماية الجوية، وأحلام انفصالية متكئة على المظلومية. أتمنى لو أني لم أشاهد الحلقة.