اوراق خاصة

"حرب" يحثّ اللبنانيين على المشاركة في "مسيرة 17 أيلول"..: فلتكن غضبًا وطنيًا

post-img

أجرى الحوار: د. زينب الطّحان

" أتذكر الاحداث بغضب.. أذكر تمامًا ذلك اليوم؛ حين كنّا برفقة عدد من الأصدقاء والزملاء، ومعظمهم من انتماءات سياسية وفكرية مختلفة ومتباينة.. معظهم صدموا.. وغضبوا.. وبعضهم بكى حزنًا. أذكر صديقة ذهبت فورًا كي تتبرع بالدم.. وإن مرّت سنّة على تلك المشاعر؛ إنّما علينا أن نعوّد ذاكرتنا ألّا تنسى دم الأهل والأحبة.. يجب عدم السماح للعدو بأن  يجعلنا "نطبّع" مع فكرة قتلنا".. هكذا يتذكر الكاتب والصحفي المخضرم خليل حرب ذلك اليوم الدامي، يوم "مجرزة البيجر".. في ذلك اليوم اكتست عدد من مناطق لبنان بلون الأحمر القاني على مذبح التضحية ثمنًا لإصرارها على تبني ثقافة المقاومة..

اليوم؛ 17 أيلول/2025، الذكرى الأولى لتلك الواقعة التي دبرها في ليل مظلم عدو مشهور بإجرامه الذي لم يسبقه إجرام، طوال التاريخ الإنساني.. قبل المقاومين والمجاهدين، وقع أطفال ورضع ومدنيون ضحايا هذه العملية المجرمة التي فاقت كل تصور وخيال..والتي تُضاف إلى تاريخه الإجرامي، حتى ما قبل احتلال فلسطين..

اليوم؛ يحيي معظم اللبنانيين الذكرى الأولى لهذه المجرزة بمسيرة دعا إليها الزميل والصديق الصحفي خليل حرب، وهو يقول في مقابلة خاصة مع "موقع أوراق": الفكرة طرحتها على مجموعة من الأصدقاء والمقربين، وبينهم عدد من الإعلاميين، وأشخاص لا ينتمون إلى أحزاب وقوى سياسية محددة".

أما بخصوص برنامج المسيرة؛ يقول حرب: "الأساس هو المسيرة، تحت راية الإعلام اللبنانية فقط لا غير.. والكل مدعو، مهما كانت انتماءاتهم الحزبية وأطيافهم الفكرية والثقافية... الكلمات في مستهل المسيرة مقتضبة وقد يلقي أحداها النائب الدكتور "إلياس جرادي" وهو أحد جرحى "البيجر". ويفترض أن تتختم المسيرة بالشموع عند منطقة المنارة في العاصمة بيروـت؛ حيث ستنطلق من شارع مارالياس في مدينة الحمرا..".

ما الذي عنته أو تعنيه لكم مجزرة البيجر حتى دفعتكم إلى إحياء ذكراها الأول؟

يجيب حرب: "هذه عملية غدر لا مثيل لها، كان يجري إعدادها سنوات.. هذا استهداف عشوائي للناس في البيوت وفي مراكز عملهم. وهو، وفقًا لخبراء قانونيين، يعدّ جريمة حرب وانتهاكًا للقانون الدولي. إذ لا يجوز استهداف عناصر "معادية" في أماكنها المدنية، وبعيدة عن جبهات القتال والاشتباك. هذا تعميم للترهيب ليطال اللبنانيين المدنيين كلهم؛ لأنّ الهجوم لم يميز بين المدني والعسكري بتاتًا. إذ إن أعدادًا هائلة من حملة "البيجر" يعملون في وظائف مختلفة تقتضي منهم الاستعانة بهذه الأجهزة، وهم- أي حاملو هذه الأجهزة- ليسوا مرتبطين بالمقاومة ولا بحزب الله، وينشطون حصرا في المجال المدني والانساني. كما لا ننسى، أيضًا، أن العديد من التفجيرات وقعت داخل البيوت الآمنة، بين أطفال ونساء".

يتابع حرب: "لبنان، لو أراد أن يبقى- وأقصد حرفيًا المعنى الوجودي- عليه أن يخلق تكاتفًا وطنيًا في هذه المناسبة، وحتى يراهن عليها... ومن دون تعاضد وطني لا بقاء للبلد، ولأي بلد كانت.. إذ يمكن أن نبني على ذلك، ويمكن للأحزاب وأجندتها المشتتة أن تبني على ذلك. . البحث عن نقاط التلاقي مع "الآخر" اللبناني، فدم جرحى "البيجر" يمكن أن يكون منارة لو أردنا جمع الشرائح اللبنانية كافة والتفافهم حول بعضهم البعض".

في هذا الصدد؛ توجّه "موقع أوراق" ليسأل الزميل: هل يمكن القول إنّ رسالة هذه المسيرة المخاطب فيها الداخل اللبناني أكثر ممّا هي موجّهة للخارج؟ يجيب "حرب": "بالتأكيد المعني الأول بهذا الغدر الصهيوني بأهلنا، هم اللبنانيون.. وهو، أيضًا، درس للمقاومات الأخرى وللشعوب العربية وحكوماتهم، بأنّ لا ثقة بالاحتلال ولا نواياه.. هو يتآمر على دمنا جميعًا.

كما يرى "حرب" الداعي للمسيرة ومنظّمها أنه لم يكن لمثل هذه المجزرة مثيلًا في العالم؛ فإن -صحّ القول- يمكن وصفها بأكثر جرائم الإمبريالية حداثة ورعبًا مروّعًا؛ يُفقد الخوف من تكرارها الإنسان المعاصر حتى أقل مستوى من الآمان الشخصي.. "إذ عندما تصبح الآلة بمثل هذا التحكم بحياة الناس وبتفاصيلها؛ فعلى الدنيا السلام. حين يجري تسخير تكنولوجيا مدنية الطابع بغرض القتل الجماعي، كما حدث في "هجوم البجير"، فهذا يعني أنه لا أمن ولا سلام للبشرية، وإننا متجهون إلى الحضيض الإنساني، مع هذه الرؤية العنصرية التي يتزعم روّادها قيادة الحضارة الغربية"..

ولكنّ أي معيار ثقافي وإنساني، قد تواطئ معه مثقفون، أجاز هذه المجرزة، والتي أوقعت عددًا كبيرًا من الضحايا المدنيين، للانتقام وحسب من المقاومين؟ وبالأخص حين احتفى المجرم الإسرائيلي أيما احتفاء بالمجزرة، وحتى كافأ منفّذيها؛ واحتفت معه بعض الدول الغربية والعربية- وإن لم يخرج احتفاؤها للعيان؟

في هذا الصدد؛ يعلّق "حرب" بأنّ: "أولئك يرون شعوب دول العالم الثالث- كما يسمونها- لا تستحق الحياة بحرية وكرامة واستقلال. هذه أفكارهم وعقائدتهم وسياساتهم كلها تدل على ذلك. وما نشاهده في قطاع غزة؛ حيث يُباد بالكامل منذ سنتين، أليس دليلًا على ذلك المعيار- بحسب ما يرونه- وغالبية زعماء الغرب، ما يزالوان صامتين حينًا أو متواطئين أو مشجعين حينًا آخر.. باستثناء قلة قليلة.. تواطؤهم هذا يقول بوضوح إن دماء شعوب العالم الفقيرة والمقهورة والمستغلة لا تساوي عندهم دمعة واحدة. لقد قال رئيس كولومبيا، مؤخرًا، إن الغرب وأميركا يستخدمون هذه الحرب لتأديب دول الجنوب العالمي وترهيب شعوبها، حتى لا يتجرأ احد على رفع رأسه متمردًا .. لذلك؛ هم لا يمكنهم فهم جريمة البيجر، إلّا من منظار هذه الرؤية..

وتساءل "حرب"- كما يتساءل جميعنا- أليست "إسرائيل قاعدتهم العسكرية المتقدمة في قلب منطقتنا؟

هل ينتهي هدف هذه المسيرة عند انتهاء مسارها في "المنارة"؟ أم أنها ستكون منارة ينطلق منها مسار دائم للمطالبة بحقوق المصابين الأحياء في التعويض؟

يؤكد "حرب" أن المسيرة لن تغير مسار الأمور ولا مالآت القضية، ولكنها وقفة لتسجيل موقف موقف مبدئي وتضامني وطني وإنساني في المستوى الأول... وهذا ما يفترض أن تكون عليها إنسانية كل مواطن لبناني.. فمن يؤيد قتل الأطفال والموظفين في أعمالهم بحجّة قتل أي عدوّ، فكيف إذا كان هذا العدو هو رجال المقاومة؟!! قد نطلق إعلانًا، في ختام المسيرة، يدعو الدولة اللبنانية إلى مقاضاة "إسرائيل" لتنفيذها هذه الجريمة تحديدًا، والقيام بواجباتها الأخلاقية أزاء الضحايا من الجرحى وعوائل الشهداء.

في الختام؛ كيف يمكن تحويل هذه الذكرى من حدث أليم إلى رافعة وعي وطني ومقاوم للأجيال القادمة؟

يؤكد الصحفي "خليل حب" أن ذلك يكون :" المشاركة فيها.. بالتضامن الواسع وبالبناء عليها، وبتبني الحكومة هذا الاحتضان للضحايا رسميًا، وبتعديل الإعلام اللبناني- عمومًا- خطابه عندما يتحدث عن دماء اللبنانيين، ليكون أكثر احترامًا ورقيًا ومهنيًا.. بخروج بعض السياسيين الكارهين للمقاومة، من خطابهم الضيق، والتعالي على الخلافات والصراعات الحزبية، عندما يتحدثون عن الدماء التي تسفكها "إسرائيل"... هذه أقل مستوى من  المشاعر الوطنية واحترام الذات". 

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد