هتاف دهام (لبنان 24)
لا يمكن الحديث عن انتصارٍ "إسرائيلي" في حربٍ اندلعت على سبع جبهاتٍ في آنٍ واحد، شملت غزّة والضفّة الغربية، ولبنان وسورية وقطر واليمن وحتّى إيران. فالمشهد الإقليمي الراهن لا يعكس تفوقًا عسكريًا بقدر ما يكشف عن مأزقٍ إستراتيجي تعيشه "إسرائيل" في مواجهة شبكة مقاومة مترابطة المصالح والأدوار، يصعب تفكيكها أو إخضاعها بالقوّة. فهذه الحركات، رغم ما تعرضت له من ضربات قاسية، لم تُستأصل ولم تفقد قدرتها على الفعل والتأثير.
فعلى الساحة اللبنانية، يمكن القول إن المواجهة انتهت بنتيجة شبه متعادلة بنسبة 50% مقابل 50%، في حين مالت الكفة في غزّة لمصلحة "إسرائيل" بنسبة تقارب 80% مقابل 20%. أمّا على الجبهة الإيرانية، فقد كانت المعادلة معكوسة نسبيًا، إذ رجحت الكفة لصالح طهران بنسبة 60% مقابل 40%، وهي التي تمكّنت من الحفاظ على تماسكها الداخلي واستعادت عافيتها بسرعة عقب الضربة الأولى.
وفق الإيرانيين، لقد أثبتت الحرب "الإسرائيلية" التي استمرت 12 يومًا ضدّ إيران أنها فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة، إذ خرجت طهران منها أكثر تماسُكًا وثقةً بقدرتها على مواجهة الضغوط، في حين وجدت "إسرائيل" نفسها أمام واقع معقّد، لم تعد أدوات القوّة التقليدية كافية لحسمه. وعليه تبدو الجمهورية الإسلامية اليوم أكثر تماسكًا من أي وقت مضى. فرغم الضغوط الاقتصادية والعقوبات الغربية التي لا تزال تتعرض لها، نجحت في ترسيخ استقرارها الداخلي والحفاظ على وحدة قرارها السياسي. وفي المقابل، أدرك الأميركيون أن إسقاط النظام الإيراني لم يكن هدفًا واقعيًا، ولا يمكن تحقيقه لا بالعقوبات ولا بالعزل، بعدما أثبتت إيران قدرتها على الصمود والتكاتف وتعزيز التعاون والوحدة بين الإصلاحيين والمحافظين.
وخلافًا للرهانات الغربية و"الإسرائيلية"، فإن الدور الإيراني في المنطقة لم ينتهِ، بل يعاد تموضعه اليوم على أسسٍ أكثر صلابة وثباتًا. فطهران، التي تؤكد رفضها التدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية، تعتبر أنّ مسألة سلاح حزب الله شأنٌ لبنانيٌّ صرف، والقرار فيه يعود حصرًا إلى الحزب نفسه. غير أنّها ترى، من زاويتها الإستراتيجية، أنّ أي ربطٍ للدعم الدولي للبنان بتسليم سلاح المقاومة يعني عمليًا إعلان نهاية لبنان ككيان قادر على الدفاع عن نفسه، وبالتالي انتفاء الحاجة إلى أي دعم يأتي في ظل انكشاف البلاد أمام العدوان.
وبينما تعتبر العلاقات الإيرانية - السعودية، اليوم في وضع مستقر وهادئ، فالمملكة لا تزال متمسكة بموقفها التقليدي من حزب الله، في ما تؤكد طهران أنها لم تطلب من الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، اتّخاذ أي موقف تجاه الرياض، وأنّ ما صدر عنه في هذا السياق لجهة دعوته المملكة إلى فتح صفحة جديدة وتنحية الخلافات وإنشاء جبهة موحدة في وجه "إسرائيل"، كان نتيجةً طبيعية لتطوراتٍ إقليمية، ولا سيّما بعد الضربة التي استهدفت قطر وأعادت خلط الأوراق في الخليج.
أما بشأن الدعم الإيراني لحزب الله خلال الحرب وقبلها وبعدها، فيوضح المسؤولون الإيرانيون أنّ إيران لم تقتصر في دعمها في السنوات الماضية على الجانب العسكري، بل قدمت مساعدات إنسانية وإغاثية وطبية شملت مناطق لبنانية عدة، وذلك في إطار ما وصفوه بـالمسؤولية الأخوية تجاه لبنان.
وعند سؤالهم عن سبب عدم توجيه هذه المساعدات عبر الدولة اللبنانية، يرد الإيرانيون بأن طهران في السنوات الماضية كانت مستعدة لتزويد لبنان بالفيول كهبة ومن دون أية شروط، غير أن السلطات اللبنانية رفضت العرض خشية العقوبات الدولية، ما دفع إيران إلى توجيه مساعداتها عبر قنوات غير رسمية لتأمين حاجات أساسية في ظل الحصار والضائقة الاقتصادية.