اوراق خاصة

مع فشله..  ترشيح نتنياهو لترامب لنيل "جائزة نوبل للسلام" يفضح أزمة الضمير العالمي

post-img

فادي الحاج حسن / كاتب لبناني

في عالم يرفع شعارات حقوق الإنسان والقانون الدولي، تقف مشاهد الدمار والموت في قطاع غزة شاهدًا صارخًا على الفجوة المروعة بين الخطاب والممارسة. صور الأطفال تحت الأنقاض والعائلات التي مُحيت من السجلات المدنية والبنية التحتية التي سويت بالأرض، لا تطرح مجرد أسئلة عن فعالية المنظومة الدولية، إنما تفضح أزمة ضمير إنساني عميقة. عندما يرشّح قادة أشرفوا على مثل هذه الفظائع لجوائز السلام، فذلك لا يمثل مفارقة، بل يشكل إهانة لضحاياهم وتقويضًا خطيرًا للقيم التي من المفترض أن تمثلها هذه الجوائز. إن قضية بنيامين نتنياهو الذي يواجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب، ودونالد ترامب الذي وفر له غطاءً سياسيًا وعسكريًا حاسمًا، تجسد هذه الأزمة بأبشع صورها، وتضع العالم أمام اختبار حقيقي لمصداقية عدالته.

القانون الدولي تحت أنقاض غزة

أسست اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها على مبدأ أساسي: حتى الحروب لها قوانين. هذه القوانين التي تشكل حجر الزاوية في القانون الإنساني الدولي، تفرض التزامًا واضحًا بالتمييز بين المقاتلين والمدنيين، وتحظر الهجمات العشوائية، وتجرم استهداف البنية التحتية المدنية والعقاب الجماعي. ومع ذلك، فإن ما شهده العالم في غزة على مدى العامين الماضيين كان استهزاءً منهجيًا بهذه المبادئ.

لقد وثقت الأمم المتحدة هذه الانتهاكات بشكل دقيق ومفصل. في تقرير صادم، صدر في 16 سبتمبر/أيلول 2025، خلصت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة إلى نتيجة لا لبس فيها: "تجد اللجنة أن إسرائيل مسؤولة عن ارتكاب إبادة جماعية في غزة. من الواضح أن هناك نية لتدمير الفلسطينيين في غزة من خلال أعمال تلبي المعايير المنصوص عليها في اتفاقية الإبادة الجماعية".

التقرير لم يكتف بذلك، بل حدد أن "إسرائيل" ارتكبت أربعة من أفعال الإبادة الجماعية الخمسة، بما في ذلك القتل، والتسبب في أذى جسدي وعقلي خطير، وفرض ظروف معيشية تهدف إلى التدمير، ومنع الولادات. هذه النتائج، المستندة إلى أدلة دامغة وتصريحات صريحة من القادة الإسرائيليين، تحول النقاش من مجرد انتهاكات إلى إبادة جماعية موثقة.

نتنياهو.. من رئاسة الوزراء إلى قفص الاتهام الدولي

لم تعد الاتهامات الموجهة لبنيامين نتنياهو مجرد خطابات سياسية، لقد أصبحت أساسًا لإجراءات قضائية دولية. في 21 نوفمبر/ تشرين الأول 2024، اتخذت المحكمة الجنائية الدولية خطوة تاريخية بإصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه آنذاك، يوآف غالانت. هذه الخطوة لم تأت من فراغ، لقد استندت إلى تحقيق مطول وجد أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو يتحمل مسؤولية جنائية شخصية عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتُكبت في غزة.

التهم الموجهة إليه ترسم صورة قاتمة لسياسة متعمدة لتدمير الحياة في القطاع. يوضح الجدول التالي ملخصًا لهذه التهم كما وردت في بيان المحكمة :

الفئة

التهمة المحددة

الوصف بحسب المحكمة الجنائية الدولية

جرائم حرب

التجويع وسيلة حرب

حرمان السكان المدنيين عمدًا من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك الغذاء والماء والدواء والوقود.

 

هجمات متعمدة ضد المدنيين

توجيه هجمات عسكرية ضد السكان المدنيين الذين لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية.

جرائم ضد الإنسانية

القتل

التسبب بوفاة مدنيين، بمن فيهم أطفال، نتيجة سوء التغذية والجفاف الناجم عن الحصار.

 

أفعال لا إنسانية أخرى

التسبب في معاناة شديدة، مثل إجبار الأطباء على إجراء عمليات جراحية وبتر أطراف دون تخدير.

 

الاضطهاد

حرمان السكان المدنيين من حقوقهم الأساسية بشكل منهجي بناءً على أسس سياسية ووطنية.

إن مذكرة الاعتقال هذه تعني أن نتنياهو أصبح مطلوبًا للعدالة الدولية، وأن أي دولة من الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية (وعددها 124 دولة) ملزمة قانونيًا باعتقاله وتسليمه إذا دخل أراضيها. هذا التحول يضعه في فئة مجرمي الحرب المطلوبين دوليًا، وليس في فئة صناع السلام المرشحين للجوائز.

دور ترامب شريك في الجريمة أم صانع سلام؟

بينما كان نتنياهو يقود العمليات العسكرية على الأرض، كان دونالد ترامب يوفر له الدعم الحاسم في الساحة الدولية. إن دور إدارة ترامب تجاوز الدعم الدبلوماسي التقليدي لـــ"إسرائيل"، وتحول إلى تمكين مباشر ومادي للحرب. في سبتمبر/أيلول 2025، وفي خضم الدمار المتصاعد، سعت إدارة ترامب للحصول على موافقة الكونغرس على صفقة أسلحة ضخمة لإسرائيل بقيمة 6.4 مليار دولار، تضمنت طائرات هجومية متطورة من طراز أباتشي ومركبات هجومية للمشاة  هذه الصفقة، التي تضاف إلى ما يقرب من 12 مليار دولار من مبيعات الأسلحة التي وافقت عليها بالفعل إدارة ترامب، كانت بمثابة ضخ للوقود في آلة الحرب الإسرائيلية.

لم يقتصر دعم ترامب على الأسلحة؛ لقد قدم غطاءً سياسيًا كاملًا لنتنياهو، حيث تبنى رئيس وزراء العدو الإسرائيلي “خطة ترامب للسلام” المكونة من 20 نقطة، معلنًا أنها "تحقق أهداف الحرب" الإسرائيلية. الخطة، والتي دعت إلى نزع سلاح غزة واستبعاد أي دور سياسي لحماس، أعطت الضوء الأخضر لنتنياهو للمضي قدمًا في حملته العسكرية تحت ستار السعي للسلام. لقد وعد ترامب "إسرائيل" بـــ"الدعم الكامل" لتدمير حماس، وهي عبارة استخدمتها الحكومة الإسرائيلية لتسويغ عمليات واسعة النطاق التي لم تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية.

العدالة أولًا.. لا الجوائز

إن الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة ترسم صورة مأساوية للواقع: آلاف من الفلسطينين قتلهم جيش الإجرام الصهيوني، 70% منهم من النساء والأطفال. أكثر من نصف المستشفيات والمدارس ومرافق المياه دمرت منهجيًا. هذه ليست مجرد أضرار جانبية للحرب، هي نتيجة لسياسات متعمدة وثقتها أعلى الهيئات القانونية الدولية جرائم حرب وجرائم ضد الإنساني وإبادة جماعية.

في هذا السياق، فكرة ترشيح نتنياهو أو ترامب لجائزة نوبل للسلام لا تعدو كونها مهزلة سوداء. إنها تتجاهل حقيقة أن أحدهما مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية، والآخر هو الذي مكّن هذه الجرائم من خلال الدعم العسكري والسياسي غير المحدود. السلام الحقيقي لا يُبنى على أنقاض المدنيين، ولا يمكن أن يتحقق من خلال تكريم أولئك الذين تلطخت أيديهم بالدماء.

إن الواجب الأخلاقي والقانوني على المجتمع الدولي ليس توزيع الجوائز، بل تفعيل آليات المساءلة. يجب دعم المحكمة الجنائية الدولية في سعيها لتحقيق العدالة، ويجب على الدول أن تفي بالتزاماتها بوقف نقل الأسلحة التي تستخدم في ارتكاب الفظائع. إن مصداقية النظام القانوني الدولي بأكمله على المحك. فإما أن تنتصر العدالة للضحايا، أو أن يصبح العالم مكانًا تُمنح فيه جوائز السلام لمجرمي الحرب.

المراجع

[1] مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة. (2025، 16 سبتمبر). لجنة الأمم المتحدة تجد أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية في قطاع غزة. https://www.ohchr.org/ar/press-releases/2025/09/israel-has-committed-genocide-gaza-strip-un-commission-finds
[2] المحكمة الجنائية الدولية. (2024، 21 نوفمبر). الوضع في دولة فلسطين: الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية ترفض طعون دولة إسرائيل في الاختصاص وتصدر مذكرات توقيف بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت. https://www.icc-cpi.int/news/situation-state-palestine-icc-pre-trial-chamber-i-rejects-state-israels-challenges
[3] رويترز. (2025، 20 سبتمبر). إدارة ترامب تخطط لبيع أسلحة بقيمة 6.4 مليار دولار لإسرائيل. https://www.reuters.com/world/middle-east/white-house-seeking-congress-approval-sell-israel-6-bln-weapons-wsj-reports-2025-09-19/
[4] وزارة الخارجية الأمريكية. (2025، 1 مارس). المساعدة العسكرية لإسرائيل. https://www.state.gov/military-assistance-to-israel
[5] الإذاعة الوطنية العامة (NPR). (2025، 29 سبتمبر). ترامب يعلن عن اتفاق مع إسرائيل لإنهاء الحرب في غزة. https://www.npr.org/2025/09/29/nx-s1-5556916/trump-israel-gaza-netanyahu
[6] وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). (2025، 1 سبتمبر). تقرير الحالة رقم 186 للأونروا حول الأزمة الإنسانية. https://www.unrwa.org/resources/reports/unrwa-situation-report-186-situation-gaza-strip-and-west-bank-including-east-jerusalem
[7] كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد. (2024، 9 أبريل). دراسة جديدة لبيانات الأقمار الصناعية تظهر أن هجوم إسرائيل على المستشفيات والمدارس والبنية التحتية للمياه في قطاع غزة لم يكن عشوائيًا. https://fxb.harvard.edu/blog/2024/04/09/press-release-new-study-of-satellite-data-shows-israels-assault-on-hospitals-schools-and-water-infrastructure-in-the-gaza-strip-was-not-random/

 

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد