غسان ريفي (سفير الشمال)
كشف المبعوث الأميركي توم براك عن مكنوناته وربما عن المهمّة الأساسية التي جاء إلى لبنان من أجلها، وهي استدراجه نحو المفاوضات المباشرة تمهيدًا للتطبيع مع العدوّ "الإسرائيلي" ومن ثمّ الذهاب إلى سلام هو أشبه بالاستسلام وتشريع الاحتلال بما في ذلك المناطق العازلة والمنزوعة السلاح والخاضعة لسيطرة الجيش اللبناني بأسلحة خفيفة.
بكل صفاقة طلب براك في تصريح له من رئيس الجمهورية جوزيف عون “إجراء اتّصال برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو للاتفاق والتخلص من كلّ الرواسب”، متجاوزا بذلك سنة من الاعتداءات الصهيونية وسنة من الحرب المفتوحة على البلاد والتي لم تنته مع اتفاق وقف إطلاق النار بل استمرت بوتيرة منخفضة لكن على قاعدة الغدر والاغتيالات والتوسع.
بات واضحًا أن براك كان ينوي الوصول إلى هذا الهدف من خلال الورقة المكتوبة بحبر "إسرائيلي" والتي نجح في فرضها على حكومة الرئيس نواف سلام الذي أقرها من دون مناقشة في جلسة الحكومة في الخامس من آب الفائت، قبل أن تأتي جلسة الخامس من أيلول وتصلح ما أفسدته تلك الجلسة بإعطاء الجيش اللبناني المساحة الزمنية المفتوحة لتنفيذ قرار حصرية السلاح، وذلك بعد الخطة المنطقية والشفافة التي قدمها العماد رودولف هيكل الذي يفترض أن يقدم تقريره الثاني إلى مجلس الوزراء يوم الخميس المقبل والتي قد تتضمن بحسب المعلومات العراقيل الكثيرة التي تواجهها المؤسسة العسكرية جراء الاحتلال "الإسرائيلي" والتصعيد المتنامي في الآونة الأخيرة.
فشل توم براك في مهمته، وبات قاب قوسين أو أدنى للخروج من المشهد اللبناني بشكل كامل مع قرب وصول السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى إلى لبنان الذي سيتولى العملية السياسية على أن تستمر المبعوثة مورغان أورتاغوس في رئاستها للجنة الميكانيزم وفي متابعتها تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار الذي ما يزال لبنان متمسك به ويربط أي تفاوض غير مباشر بتطبيق بنوده من قبل "إسرائيل" لجهة وقف أعمالها العدائية وبدء انسحابها من النقاط التي تحتلها.
لذلك، فإن براك الذي يعاني من “عقدة نقص” تجاه نظرائه عيسى وأورتاغوس، والغاضب كثيرًا من فشل مهمته في لبنان وعدم قدرته على الإطاحة باتفاق ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٤ لمصلحة ورقته المسمومة التي تضمنت أفخاخا "إسرائيلية"، يسعى إلى التهويل على اللبنانيين والتحدث بلسان "إسرائيلي" صرف في التهديد وضرب مواعيد العدوان الجديد وإعطاء المهل في حال لم تتمكّن الحكومة من سحب سلاح المقاومة، فضلًا عن توجيهه الانتقاد الحاد للسلطة اللبنانية على ما يعتبره تقصيرًا بتنفيذ التعهدات، وصولًا إلى وصفها بالفاشلة والضعيفة والمتردّدة، في ظل صمت هو أشبه بالتواطؤ من قبل “السياديين” عمومًا ومن وزير الخارجية يوسف رجي على وجه الخصوص.
حال براك ينسحب على بعض التيارات السياسية التي فشلت هي الأخرى في ممارسة الضغوط ضمن الحكومة ومجلس النواب للوصول إلى سحب سلاح المقاومة وإضعافها، لذلك فإن مواقفها تشكّل الصدى لكلام براك في التهديد معتمدة على بعض الإعلام الذي يمارس الدور نفسه، ويستحضر المصادر في نسج الروايات والمواقف التي لا تمت إلى الحقيقة بصلة.
لا شك في أن كلام براك لا يعدو “زوبعة” في فنجان، أما بعض المواقف الداخلية فهي ناتجة عن حالات إرباك وغضب من عدم القدرة على تنفيذ الالتزامات التي تم قطعها للأميركي.
في غضون ذلك، تبدو الحرب التي يهول بها الكثيرون ممنوعة من الصرف، في ما الموقف اللبناني الرسمي يزداد وضوحًا وقد عبر عنه الرئيس جوزيف عون أكثر من مرة وهو الالتزام بالأولويات والثوابت الوطنية واعتماد الواقعية السياسية التي تقضي بالتمسك بلجنة الميكانيزم والتوجّه نحو التفاوض غير المباشر بشرط وقف الاعتداءات والبدء بالانسحاب، أما دعوة براك الرئيس عون للاتّصال بنتنياهو، والضغط الأميركي للذهاب نحو التفاوض المباشر وتقديم التنازلات التي تشرع الاحتلال فكلها عبارة عن “سراب يحسبه الظمآن ماء”!.