زينب بزي (صحيفة الأخبار)
منذ اللحظة الأولى لبدء النقاش في لجنة المال والموازنة، تلقّى مشروع موازنة 2026 ضربة من مجموعة واسعة من النواب أعربوا عن رفضهم للمشروع بصيغته المعدّة من وزارة المال والمحال من مجلس الوزراء إلى المجلس النيابي. فالحكومة وحدها تروّج لوهم «الإصلاح والإنقاذ» من دون أن تترجم هذا الأمر في مشروع الموازنة الذي يُفترض أن يقدّم خريطة طريق للتعافي بدلاً من أن يكون ورقة محاسبية عقيمة. الأخطر أنّ المشروع لا يقدّم جواباً عن السؤال الأهمّ: كيف سيخرج لبنان من الانهيار؟
صحيح أن الموازنة أعدّت في موعدها الدستوري، وهو أمر يخالف السلوك السابق بالتأخر في إعداد الموازنات وإقرارها، إلا أن التركيز على الشكل جاء على حساب المضمون.
فالموازنة لا تطبّق أي خطة اقتصادية وليس فيها رؤية استثمارية ولا إصلاح ضريبي حقيقي، بل هي عبارة عن أرقام تشغيلية بلا أفق. وهذا المشهد ليس غافلاً عن النواب الذي يناقشون الموازنة في لجنة المال والموازنة النيابية. وتكتلاتهم لا ترى فيها سوى صيغة بدائية تمزج بين التقيّد بالشكل وفراغ المضمون الذي لا يصلح حتى لتثبيت مفاعيل الانهيار، فكيف يمكن أن تطبّق الحكومة وعودها بـ«الإنقاذ»؟
يقول النائب جميل السيد، إنّ مشروع الموازنة المطروح «أقل من عادي في ظل هذه الظروف الاستثنائية»، مشيراً إلى أنّ ما قُدّم ليس أكثر من استنساخ لموازنات سابقة مع «بعض الماكياج» الذي لا يغيّر في جوهر الأزمة.
وفي رأيه، لا تتضمّن الموازنة رؤية إصلاحية حقيقية، ولا تعالج مصادر الهدر الأساسية وأبرزها ملف المقالع والكسارات والتي تقدّر مستحقاتها بأكثر من ملياري دولار، فيما تواصل الدولة تحميل الناس أعباء إضافية عبر زيادة الضرائب غير المباشرة الملحوظة في مشروع موازنة 2026 تحديداً. ويعتقد السيّد أن أي مقاربة مالية جدّية تبدأ من مكان آخر تماماً غير ذلك الذي يمكن قراءته في المشروع: «أول خطوة أن تُعيد الدولة المال المنهوب والمال المهدور».
ويلفت إلى أنّ عشرات مليارات الدولارات تبعثرت خلال السنوات الماضية تحت عناوين «الهندسات المالية، القروض المدعومة، الدعم والأموال المهرّبة إلى الخارج». وبحسب السيّد، لا يمكن للحكومة أن تفرض زيادات ضريبية بينما «المال المسروق يظلّ خارج المساءلة»، معتبراً أنّ هذه المقاربة تكرّس غياب العدالة الاجتماعية، وأن الموازنة الحالية بهذه الصيغة لا تُعيد بناء الثقة ولا تضع لبنان على طريق التعافي.
بالنسبة إلى كتلة الوفاء للمقاومة، فيقول النائب علي فياض، إنّ المشروع الحالي «لا يحمل أي تغيير نوعي في مقاربة الموازنات التي أُقرت بعد الأزمة، بل يكرّر النهج نفسه مع بعض التعديلات الرقمية لتكييف الرسوم والضرائب مع سعر الصرف الحالي». وأضاف: «الموازنة تتكيّف مع الأزمة لكنها لا تعالجها.
صحيح أنه ليس مطلوباً منها أن تحلّ الأزمة بالكامل، ولكن على الأقل أن تضع اتجاهاً واضحاً نحو ذلك». بالنسبة إلى موقف الكتلة، يقول فياض إنهم رسموا خطّاً أحمر للضرائب منذ السنة الماضية، ومفاده أنّ أي زيادة لا تُجاوز 45 ضعفاً يمكن نقاشها، أما ما يزيد على ذلك «فلن نقبل به، وفقط في حال كان هناك تحويل للرسوم من سعر 1500 ليرة إلى 90 ألف ليرة (مقابل الدولار) يمكن الحديث عن زيادة تصل إلى 60 ضعفاً لا أكثر».
على ضفة قوى التغيير، يعتقد النائب ياسين ياسين إنّ مشروع موازنة 2026 هو أقرب إلى «مقاربة محاسبية منه إلى خطة إصلاحية». فرغم وجود بعض العناوين التي توحي بالإصلاح، مثل الحديث عن العدالة الضريبية وتوسيع القاعدة الضريبية «إلا أنّ المضمون لا يلامس جوهر الأزمة ولا يعيد الثقة بين الدولة والمجتمع، ولا يعالج انهيار القدرة الشرائية ولا ينطوي على خطة اقتصادية متكاملة».
فالموازنة «تتحدث بلغة الإصلاح لكنها لا تمارسه» فيما يتواصل فرض الرسوم والغرامات بلا رؤية اقتصادية وبلا أي خطة لإدارة الدين العام أو لتحفيز الاقتصاد المنتج. وأكثر ما يدل على أن الموازنة خالية من أي رؤية اقتصادية للنموّ «غياب الاستثمار في البنى التحتية والقطاعات المنتجة». لذا، يخلص ياسين إلى أن هذه الموازنة «لا تشكّل مدخلاً للتغيير، بل استمرار للنهج نفسه».
الانطباع نفسه موجود عند كتلة نواب القوات اللبنانية. تقول النائبة غادة أيوب إنّ «المشروع لا يحمل أي رؤية اقتصادية، بل يقوم على زيادة الضرائب والرسوم من دون أي إصلاح بنيوي».
في رأيها هذا لا يعبّر عن سياسة مالية «بل هو سياسة جباية». البديل يفترض أن يقوم على «إصلاح هيكلي لوقف الهدر وترشيد الإنفاق وضمان حقوق الموظفين، الإسراع بقانون الانتظام المالي لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي وحماية المودعين ضمن خطة تعافٍ عادلة»، فضلاً عن تشجيع الإنتاج والنموّ عبر تحفيز الاستثمار». موقف القوات من قبول الموازنة أو رفضها، يرتبط بـ«حجم التعديلات التي ستطرأ عليها لأنّه لا يمكن منح ثقة سياسية ومالية لموازنة لا تحمل أي إصلاح فعلي ولا تحترم الدستور عبر الاستمرار بغياب قطوعات الحساب».
وباختصار، يعتقد النائب سليم عون أنّ مشروع موازنة 2026 يأتي من «حكومة التعيينات والانتقامات الكيدية»، وهو مشروع «بلا رؤية وبلا أفق». أما النائب ألان عون، الذي ينظر بإنطباع إيجابي بعيداً من الشعبوية ربطاً بأن ما ورد في المشروع يفتح الباب «أمام تحسين الامتثال الضريبي والتحصيل الجمركي»، فهو يرى أن ما تحقّق من 56 بنداً في البيان الوزاري يساوي صفراً، بالإضافة إلى «تصرّفات كيدية»، ما يعني أن نجاح الحكومة مرتبط بقدرتها على ترجمة الخطط إلى واقع.
لكن بشكل أساسي، تخلو الموازنة من أي رؤية لسلسلة الرتب والرواتب، ولا تتضمن خطة واضحة للدفعات والاستحقاقات المالية التي على الدولة المفترض تسديدها...»، وهذا ما يدفعه إلى الإشارة الآتية: «نحاول البحث عن بند واحد يعطي أملاً… ولا نجد شيئاً. هذا فشل واضح. نحن لا نطلب معجزات، لكن أقلّه أن يظهر اتجاه واضح».
إذاً، هل سنشهد سيناريو تقليدياً لمناقشات الموازنة في الهيئة العامة، وقبلها تعديلات طفيفة في لجنة المال والموازنة، أم تسوية ليلية تنتهي بإقرار ما تيسّر ليخرج الجميع في اليوم التالي ويتبرّأ منها ويقول إنّها فُرضت عليه؟
الإعمار ثم الإعمار
يطالب النائب علي فياض بإدراج اعتمادات واضحة ومحدّدة لإعادة الإعمار بشكل واضح في مشروع موازنة 2026 ولو أن وزارة المال تحدثت عن إمكانية تغطية قسم من النفقات عبر احتياط الموازنة. ويشير إلى أن «جدولة قوانين البرامج تمّ تصفيرها بالكامل باستثناء مشروع مرفأ جونية. نحن لسنا ضدّ المشروع، لكن البلد بحاجة إلى مشاريع أخرى ملحّة أيضاً».