اوراق خاصة

لبنان المقاوم لن يكون "إسرائيليًا"

post-img

حسين كوراني

ارتفع منسوب الكلام في الأيام الماضية عن التطبيع بين لبنان والكيان الصهيوني، وخاصة بعد تعيين بيروت دبلوماسي مدني على رأس الوفد المفاوض في لجنة "الميكانيزم"، ورغم نفي السلطة اللبنانية عبر رؤسائها الثلاث أي نية بالتفاوض المباشر مع كيان العدو، إلا أن هذه الخطوة لاقت ردود فعل غاضبة داخل أنصار المقاومة ومؤيديها.

الضجة أثيرت حول التطبيع مؤخرًا على خلفية إعلان رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو عن بدء مسار العلاقات الاقتصادية بين بيروت و"تل أبيب" فور انتهاء الاجتماع الأخير للجنة "الميكانيزم"، وبعد تصريح نائبة الموفد الأميركي للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس عن "انطلاق المسار الدبلوماسي" بين لبنان و"إسرائيل" عبر ثلاث مجموعات عمل، وترافق تصريحها مع تسريبات "إسرائيلية"، نقلت عن مسؤول رفيع المستوى "أن سياسة نتنياهو غيرت الشرق الأوسط، وأن "إسرائيل" تريد مواصلة هذا الزخم كي تصل إلى التطبيع مع لبنان".

ورغم تراجع "إسرائيل" لاحقًا عن هذه التسريبات، فإن حزب الله يعد نقل التفاوض بين لبنان و"إسرائيل" من المستوى الأمني إلى المستوى الدبلوماسي والسياسي بإشراف أميركي، يعني تهيئة الأرضية للانتقال إلى وضع جديد مرتبط بمشروع التطبيع العربي مع كيان الاحتلال تنفيذًا لمشروع "السلام" الذي يطمح لتنفيذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الشرق الأوسط.

الموقف اللبناني واضح: لا مفاوضات سلام مع "إسرائيل"

أما لبنان الرسمي فينفي ذلك، وتؤكد مصادر رئاسية أن تشكيل اللجان الثلاث يأتي استكمالًا لتطبيق القرار 1701 وهي ستكون مكلفة حل النقاط العالقة مع "إسرائيل"، والمحصورة بانسحابها وتحديد الحدود البرية وإطلاق الأسرى، وأن كلّ ما يحكى عن كون هذه اللجان مقدمة للتطبيع هي معلومات عارية عن الصحة.

إذًا، الموقف اللبناني واضح: لا مفاوضات سلام مع "إسرائيل" قطعًا، ولا مفاوضات مباشرة؛ بل في إطار "الميكانيزم"، و"إسرائيل" لم تحترم كليًا اتفاق وقف إطلاق النار، وللتذكير كان عليها أن تنسحب خلال فترة قد تصل إلى ستين يومًا من الجنوب إلى الخط الأزرق (النقطة 12 في الإعلان) فور صدور الإعلان، وهو ما لم يحصل بالطبع. كما لم يتم الإفراج عن الأسرى، ولم يتم الانسحاب؛ لا بل ازدادت الحرب "الإسرائيلية" تحت عنوان "الاستهداف الإستراتيجي"، في الكثافة النارية وفي الجغرافيا. كما احتلت "إسرائيل" تلالًا خمسة لأهداف إستراتيجية تتعلق بإقامة ما تسميه "سيادة أمنية". 

مظاهرات واعتصامات تندد بالتطبيع: "لبنان لن يكون "إسرائيليًا"!

لاقت هذه التصريحات التي روّجت لفكرة التطبيع ردود فعل غاضبة داخل بيئة المقاومة في لبنان، حيث استنفرت جميع الأحزاب والفاعليات المنضوية تحت لواء المقاومة والمؤيدة لها، وبدأت "حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان" رسالتها التي أدانت فيها مشاركة السفير اللبناني السابق سيمون كرم في اجتماع "الميكانيزم"، بحضور المدير الأعلى للسياسة الخارجية في "مجلس الأمن القومي الإسرائيلي"، ورفعت شعار "لا للاستسلام، لا للتطبيع، لا للزمن الإسرائيليّ في لبنان. لبنانُ الذي دحَرَ الاحتلالَ ذاتَ أيّار، لن يستسلمَ عند أوّل انكسار". 

وحذّرت الحملة من أن تكون هذه المشاركة خطوةً تمهيدية لتكبيل لبنان باتفاقيات تطبيع مقنّعة، متوجهة بدعوة مفتوحة إلى "الأحرار في لبنان من قوى وطنية وقومية وإسلامية ويسارية إلى التمسك بالمقاومة بوصفها حقًا وممارسة، ورفض كلّ أشكال التطبيع، والعمل على مواجهة ما وصفته بالهجمة الصهيونية والإمبريالية على المنطقة".

كما خرج مئات المتظاهرين في دعوة وجّهها عدد من الناشطين الاعلاميين بمشاركة المناضل المفرج عنه أخيرًا من السجون الفرنسية جورج عبد الله، وشخصيات سياسية وفكرية وإعلامية، في بيروت استنكارًا "للاستباحة "الإسرائيلية" اليومية للأراضي اللبنانية"، منذ إعلان اتفاق وقف إطلاق النار.

وطالب المشاركون في التظاهرة التي انطلقت من عند تقاطع مصرف لبنان في الحمرا، الدولة بالعمل "بجدية على انسحاب "إسرائيل" من الأراضي التي احتلتها في الجنوب، والمباشرة بإعادة إعمار ما دمرته إضافة إلى استرجاع الأسرى اللبنانيين في السجون "الإسرائيلية"". وأطلق المتظاهرون الهتافات المؤكدة على ضرورة "بقاء المقاومة لدحر الاحتلال وتحرير الأرض"، موجهين التحية إلى الجيش اللبناني.

من جهته، أكد المناضل جورج عبد الله أن "مواجهة التطبيع هو الخطوة الأولى والضرورية لكل وطني في هذا البلد". وقال في كلمة أمام المتظاهرين إن "البندقية المقاوِمة هي الدرع الأساسي للسيادة والمعبّر الشرعي عن كلّ شرعية في البلد"، مطالبًا "الجيش أن يكون درعًا للمقاومة، وكلّ  الأحزاب الوطنية بالالتفاف حولها".

كما أقام الحزب الشيوعي اللبناني اعتصام قرب حديقة الصنايع وسط بيروت تحت عنوان "لا مصلحة للبنان للدخول بمفاوضات سياسية واقتصادية مع العدو الصهيوني في ظل اختلال موازين القوى واستمرار عدوانه".

في المحصلة، لبنان الرسمي ما زال يرفض فكرة فتح أية علاقات مع كيان العدوّ تندرج في إطار التطبيع أو السلام، في ما المقاومة ومؤيدوها ما زالوا متمسكون بفكرة أن "إسرائيل" هي العدوّ الأول والأخير ولا تفاوض معها تحت أية ظروف.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد