اوراق خاصة

في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. أين الدولة اللبنانية من قضية الأسرى في "إسرائيل"!؟

post-img

حسين كوراني

في ذكرى "اليوم العالمي لحقوق الإنسان" يحتجز الكيان الصهيوني 19 لبنانيًا في سجونه، العدد الأكبر منهم مدنيون خُطفوا بعد وقف النار من منازلهم أو خلال عودتهم إلى قراهم، والباقون مقاومون تمَ أسرهم في جبهة الجنوب أثناء تصّديهم للعدوان "الإسرائيلي"  على قُراهم وينطبق عليهم "أسرى حرب". واللافت في الأمر أن الدولة اللبنانية لم تتحرك بالشكل المطلوب وتجعل قضيتهم قضية رأي عام. 

"إسرائيل" تحتجزهم كورقة ضغط تفاوضية

لم يعد احتجازهم متعلّقًا بأشخاص حرموا من حريّتهم في سياق مدني أو ميداني فحسب، بل إن "إسرائيل" باتت تعتبرهم يشكلون ورقة ضغط تفاوضية تسعى من خلالها الى تحقيق أهداف سياسية، وهذا ما تكشّف حين أعلنت "تل أبيب" رسميًا عن نيّتها التفاوض في 11 و12 آذار 2025 ضمن سلّة تشمل قضايا السيادة والحدود، تزامنًا مع إفراجها عن خمسة مدنيين محتجزين لديها. 

إذ جاء الإفراج عنهم في سياقٍ سياسيّ صريح ربطته الحكومة "الإسرائيلية" بإطلاق "مجموعات عمل مشتركة" مع لبنان، خُصّصت إحداها لقضية الأسرى، وأخرى لترسيم الحدود، وثالثة للانسحاب من الأراضي المحتلة. هذا الربط "الإسرائيلي"  يُكرّس مقايضة سياسيّة على موجبات قانونية بديهية. بالتوازي، صرّحت نائبة المبعوث الأميركي مورغان أورتاغوس للإعلام اللبناني عن تنظيم "مجموعات عمل دبلوماسية ما بين "إسرائيل" ولبنان"، بما يُكرّس ثمنًا سياسيًّا عاليًا للتفاوض، ويتعارض مع موقف لبنان الثابت الرافض للاعتراف المتبادل.

في المقابل، أبدى لبنان الرسمي تحفّظًا على هذا الإطار التفاوضي، مشيرًا إلى غياب التكافؤ، ورافضًا الاعتراف بشرعيّة المقايضة، خصوصًا في ظلّ استمرار "إسرائيل" في احتجاز أسرى لبنانيين من دون أن يكون لها أسرى لدى لبنان. في ضوء هذه المعطيات، لم تعد قضية المحتجزين اللبنانيين مجرّد مسألة عالقة فحسب كنتيجة للغزو "الإسرائيلي"  والاحتلال الذي أعقبه، بل باتت تُدار بوضوح كأداة تفاوض سياسي. 

احتجازهم مخالف للقانون الدولي

تحتجز "إسرائيل" "أسرى حرب" ومدنيين وسط تعتيم كامل على هويّاتهم وظروفهم، ومنع مطلق لأيّ جهة محايدة، بمن فيها الصليب الأحمر الدولي من زيارتهم، وهذا بموجب القانون الدولي يّعد مخالفًا لأحكامه. 

وفي الحالة اللبنانية، يُعد قانونًا الأسرى الذين اعتقلوا أثناء التصدّي للغزو "الإسرائيلي"  "أسرى حرب" ما يُفترض الإفراج عنهم فور انتهاء القتال. وأما المدنيون المحتجزون فيجب إطلاق سراحهم أيضًا بعد وقف الأعمال العدائية، ويعتبر ربط مصيرهم بمفاوضات معلنة للضغط على الدولة اللبنانية، جريمة أخذ رهائن بموجب القانون الإنساني.

التعذيب وسوء المعاملة 

وثّقت شهادات محتجزين لبنانيين أُفرج عنهم في المرحلة ما قبل 11 آذار الماضي وبعده، عن احتجازهم في مواقع حدودية وخضوعهم لخمس جلسات تحقيق خلال فترة قصيرة. تنوّعت الانتهاكات التي تعرّضوا لها بين الضرب المبرح، التجويع، الحرمان من النوم، تقييد الحركة، التعذيب النفسي والإهانات الجنسية. 

وبحسب الشهادات، تعمّد الجنود الإسرائيليّون بشكل متكرّر تعرية المحتجزين خلال التحقيق معهم، وتكرار الضرب من دون مراعاة لأعمارهم وحالاتهم الصحية. يقول أحمد حسن رزق، المعتقل الخمسيني من بلدة حولا: "ضربني المحقّق بسلاحه على خاصرتي، فبدأ الدم يخرج من مبْولتي، وفقدت الوعي. كان قد عرّاني من كامل ملابسي، واختار التّحقيق معي في مكانٍ مكشوف تحت السّماء في عزّ البرد. لم أعرف كم بقيت مغمًى عليّ، لكنّه أيقظني بسكب الماء البارد، كنت أتجمّد من البرد".

أما اللبنانيون الخمسة الذين أُفرج عنهم في 11 آذار الماضي، فقد أدلوا بإفادات شديدة الأهمية حول ظروف الاحتجاز المروّعة واستخدام التعذيب والتهديد بحقّهم ضمن إستراتيجية متكرّرة لانتزاع الاعترافات أو فرض التعاون. وتشكّل روايات التعذيب والتهديد شهادات على جرائم، لكنّها أيضًا عنصر ضغط نفسي جماعي، يؤدّي وظيفة ضمن آلية تفاوض تُستخدم فيها معاناة المحتجزين كأداة لتحقيق مكاسب سياسية.

الدولة اللبنانية الغائب الأكبر

في الحالتين، الرهائن أو أسرى الحرب، يبدو الملف مهملًا من قبل الدولة اللبنانية وتحديدًا وزارة الخارجية التي من واجبها العمل على رفع مستوى الاهتمام والاتّصالات مع الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، والتعاطي مع القضية كقضية أمن وطني وحقوق لمواطنين لبنانيين خطفهم جيش العدوّ بعد الإعلان عن اتفاق وقف الأعمال العدائية، فالجهد الرسمي اللبناني يقتصر فقط على متابعة ملف الأسرى عبر "الميكانيزم".

حتّى اللحظة يقتصر النشاط في متابعة القضية على أهالي الأسرى والجمعيات الناشطة في مجال قضايا الأسرى، ومن بينها الجمعية اللبنانية للأسرى والمحررين، حيث تتركز الاتّصالات مع الصليب الأحمر، ومع الأسرى المحررين الفلسطينيين واللبنانيين الذين التقوا بهم وتمّ من خلالهم الحصول على معلومات مهمّة عن وضعيتهم.
 
بالنتيجة، في ظل هذه الوضعية، الدولة مُطالبة بتكثيف الجهود والتحرر من الضغوط ورفع الصوت في المحافل الدولية، وجعل القضية قضية رأي عام على أن يواكب ذلك حملة سياسية وإعلامية كبيرة ومكثفة وليس الاكتفاء بحصر الموضوع ضمن قنوات "الميكانيزم" التي لا تسمن ولا تغني من تحريرهم كون من يترأسها أميركا المنحازة بالكامل مع كيان العدو.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد