أوراق سياسية

بين منطق السيادة وأداء الحكومة.. لبنان أمام معادلة دقيقة!!.. 

post-img

غسان ريفي (سفير الشمال)
  
عندما اقترح قائد الجيش العماد رودولف هيكل على طاولة مجلس الوزراء تجميد خطة حصرية السلاح إلى حين انتهاء الاحتلال "الإسرائيلي"  ووقف الاعتداءات، لم يكن هذا الاقتراح انطلاقًا من موقف سياسي، بل كان موقفا وطنيا ميدانيًّا نابعا من العرقلة "الإسرائيلية" لخطة الجيش الذي وبحسب عقيدته الوطنية لا يستطيع الانتشار في المناطق المحتلة من دون مواجهة الاحتلال، وإلا تحول الأمر إلى تطبيع مقنع، ما يعني أن انتقال الحكومة إلى المرحلة الثانية من دون حصول الانسحاب الكامل هو اعتراف رسمي بالاحتلال ومنحه شرعية وهذا ما يريده العدوّ الصهيوني.

بالأمس، فتح كلام أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم باب النقاش واسعا حول دور الدولة اللبنانية وحدود دبلوماسيتها في مواجهة الاعتداءات "الإسرائيلية". فحين يقول: “لا تطلبوا منا شيئًا بعد الآن، وليس مطلوبًا من الدولة أن تكون شرطيًا عند "إسرائيل" ولا أن تكون بلا سيادة”، فهو يقدّم موقفًا سياسيًا يتجاوز الخطاب التقليدي، ليطرح سؤالًا مباشرًا حول وظيفة الدولة في هذه المرحلة الحساسة.

هذا الكلام لا يمكن عزله عن الواقع القائم، ولا عن أداء الحكومة الحالية برئاسة نواف سلام، التي رفعت منذ تشكيلها شعار الاعتماد على الدبلوماسية والقانون الدولي كمسار أساسي لمعالجة التوترات، خصوصًا على الجبهة الجنوبية.

وضعت الحكومة ما يمكن تسميته “المرحلة الأولى” من مقاربتها على أسس واضحة أبرزها: السعي إلى وقف الاعتداءات "الإسرائيلية"، تأمين الانسحاب من الأراضي المحتلة، والعمل على إطلاق الأسرى. غير أن هذه الأهداف، رغم الجهود الدبلوماسية المعلنة، لم تتحقق. فالخروقات ما تزال قائمة، والاعتداءات مستمرة، في ما لم تُسجَّل أية اختراقات إيجابية حاسمة على هذا الصعيد.

من هنا، يبرز السؤال الذي يطرحه كثيرون في الداخل اللبناني: كيف يمكن الحديث عن الانتقال إلى مرحلة ثانية في ظل عدم اكتمال شروط المرحلة الأولى؟ وهل يعكس ذلك استعجالًا سياسيًا أم قراءة واقعية لميزان القوى والضغوط الدولية، أم مزيد من التنازلات اللبنانية؟.

في المقابل، يمكن قراءة كلام الشيخ نعيم قاسم على أنه تعبير عن قلق من تحوّل الدولة إلى طرف يُطلب منه ضبط الداخل أكثر مما يُطلب من المجتمع الدولي الضغط على "إسرائيل". فالتشديد على أن الدولة ليست “شرطيًا عند إسرائيل” يحمل بعدًا سياديًا، ويعكس رفضًا لتحميل لبنان مسؤوليات لا تتناسب مع حجم الاعتداءات التي يتعرض لها.

وفي هذا السياق، لا يبدو الخطاب موجهًا ضدّ فكرة الدولة بحد ذاتها، بل ضدّ اختزال دورها في إدارة تداعيات الأزمة من دون امتلاك أدوات فعلية لمعالجتها أو لمواجهتها.

توحي حكومة نواف سلام أنها تسير على خط رفيع بين الواقعية السياسية والحفاظ على الحد الأدنى من السيادة، غير أن هذا التوازن يبدو هشًّا في ظل غياب نتائج ملموسة للدبلوماسية. فكلما طال أمد الاعتداءات من دون أفق واضح، تراجعت قدرة الخطاب الرسمي على إقناع الرأي العام بأن المسار المعتمد لا يشكّل تنازلًا تدريجيًا عن الثوابت.

في هذا الإطار، يصبح التحدّي الحقيقي أمام الحكومة ليس في الإعلان عن مراحل جديدة، بل في تعزيز ثقة اللبنانيين بأن الدبلوماسية قادرة على تحقيق الأهداف اللبنانية لجهة ربط إنهاء المرحلة الأولى بالانسحاب ال"إسرائيلي".

بين خطاب الشيخ نعيم قاسم الذي يرفع سقف النقاش حول دور السلطة في تحقيق السيادة الحقيقية، وأداء حكومي فشل حتّى الآن في تنفيذ بنود البيان الوزاري لا سيما ما يتعلق بالملف ال"إسرائيلي"، يقف لبنان أمام معادلة دقيقة، فالدبلوماسية تبقى خيارًا ضروريًا، لكنّها تصبح موضع تشكيك حين لا تقترن بإنجازات واضحة.

وهنا يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستنجح الحكومة في تحويل دبلوماسيتها إلى أداة فعلية لحماية لبنان والضغط على المجتمع الدولي لتحقيق الانسحاب "الإسرائيلي"، أم أن استمرار الواقع الحالي سيؤكد فشلها ما يجعل منطق السيادة الذي قدمه الشيخ نعيم قاسم أكثر حضورًا من أي وقت مضى؟..

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد