يرتبط هذا العنف العبثي الجنوني جذريًا بالطبيعة الإجرامية الفائقة للكيانات الاستيطانية الإمبريالية القائمة على الإبادة وخاصة الكيان الصهيوني. وقد صُدِم العالم مؤخرًا بتفجير آلاف من أجهزة النداء والاتصال اللاسلكي بلبنان، حوّلها هذا الكيان لأسلحة دمار شامل، محرمة بالقانون الدولي، أوقعت آلاف الضحايا شهداء وجرحى.
تحيل المجازر الصهيونية إلى عقيدة عنف، تتخذ مسميات «الردع» و«كي الوعي» و«جز العشب» و«الأسوار العالية» و«انهض واقتل أولًا» و«ما لا يتحقق بالقوة، يتحقق بمزيد من القوة». فهذا الكيان ليس إلا تشكيلًا إجراميًا من عصابات القتل والسطو المسلح، يتحصن مدججًا بسلاح الإبادة الأميركي خلف جدران عالية، مُكرّسًا فصلًا عنصريًا، كدَولة مارقة غير شرعية قامت بالعنف والإبادة، على حساب شَعبٍ آخر: صاحب الأرض.
مجرمون متسلسلون
المفارقة أنه كلما تغول هذا الكيان إجرامًا وإبادة وتدميرًا، تفاقم قلقه الوجودي ويقينه بأن نهايته ستكون كبدايته تمامًا. لكن هذا الإجرام بدأ يرشح داخل الكيان ويثير تحذيرات عدة وتوقعات كارثية بالانهيار.
في مقال بعنوان بالغ الدلالة «مجرمون متسلسلون يحكمون إسرائيل... وهنا يبدأ الانهيار»، كتب الصحافي الإسرائيلي مردخاي غِلعات: هنا سؤال لا يمكن لـ«عاقل» في إسرائيل تجنبه: كيف وصلنا لوضع أصبحت فيه إسرائيل أشبه بحفرة صرف صحي عملاقة كريهة الرائحة؟ كيف يحكم مجرمون محترفون ومحتالون البلاد ويعبثون بأصولها؟ لماذا لم يفتح تحقيق جنائي ضد وزير الطاقة إيلي كوهين عندما كان وزيرًا للخارجية، وأصدر جوازات سفر ديبلوماسية لمساعديه؟هل هناك في مكتب المدعي العام من يمنع الشرطة من القيام بواجبها في قضايا خطيرة كهذه؟ لماذا لا تستجوب الشرطة مساعدي وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، بشأن فساد وتزوير سجلات توزيع البنادق على المستوطنين، مع أن النائب العام غالي بهاراف ميارا أمر وحدة الاحتيال بالشرطة بذلك؟ لماذا لم يتم إصدار أمر لمؤيد «ليكودي»، أنتج ونشر مقطع فيديو يدعو لتمرد في الجيش، بالبقاء في الحجز طوال مدة الإجراءات؟ في حين يُجرجر المتظاهرون ضد الحكومة، لمطالبتهم بصفقة تحرر الرهائن، إلى زنزانات الاحتجاز بذرائع كاذبة؟ فيتم تقييد أيديهم وأرجلهم بالسلاسل، بينما يتم إطلاق سراح هذا الليكودي، وهو مجرم «متسلسل» يشكل خطرًا واضحًا على الأمن وسيادة القانون!
فساد وغياب الرقابة
لماذا لا يحيل بنيامين نتنياهو وزيرة النقل ميري ريغيف لإجازة، نظرًا إلى نتائج تحقيق القناة 13 حول فسادها؟ لماذا لا تؤدي شكوك الفساد لتحقيق جنائي من قبل المدعي العام؟
والحقيقة أنه:
• لم يعد لدى الكيان الصهيوني رقابة مدنية حقيقية، وبمباركة نتنياهو، لم يعد مراقب الدولة موجودًا.
• لم تكن هناك هيئة خدمة مدنية فاعلة لسنوات، بمباركة نتنياهو أيضًا.
• إدارة التحقيق في سوء سلوك الشرطة بوزارة العدل تغمض عينيها بل لم تعد موجودة، ولم تعد بالبلاد قوة شرطة محترفة لإنفاذ القانون.
• لم يعد هناك مدعٍ عام أو مكتب مدعٍ عام فاعل وحقيقي، ولا أشخاص يحاربون الفساد الحكومي. وفي مناخ انعدام القانون المطلق، ينتشر عنف غير مسبوق!
بينما تقمع الشرطة متظاهرين ضد الحكومة وتعتقل محتجين لأسباب بلا أساس، يكذب ضباط الشرطة بلا خوف بالمحكمة لتمديد الاحتجاز، ويكذب رئيس الوزراء بوقاحة لإخفاء إخفاقاته. ويلتزم المدعي العام الصمت إزاء بلطجية يسطون على البلاد.
ثمة عدد غير كاف من قضاة جادين في مكافحة الفساد يؤكدون عدم جدوى الفساد والجريمة. ولو ترأس أحد منهم القضية ضد نتنياهو، المتهم بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، لما تجرّأ نتنياهو على الحضور لمحكمة القدس برفقة عشرة وزراء خاضعين وإلقاء خطاب هدد فيه القضاء. وكان سيخاف القضاة ويظهَر احترامهم كحراس لسيادة القانون بدل تجاهلهم بوقاحة. إنه ليس بطلًا، كما تعتقد طائفته «المجنونة». لكن عندما لا يحافظ القضاة على شرفهم، فلماذا يحميهم وما يمثلونه؟
عملية تفكك
عندما يكون لدى القضاة كل الوقت في العالم لإجراء المحاكمة الأهم بتاريخ البلاد، مع أن هذا في مصلحة المتهم، فلماذا يأمر محاميه بالإسراع؟ عندما تُظهِر تصريحات القضاة، أحيانًا، أنهم غير ملمين بالأدلة أو بأجزاء من لائحة الاتهام، فهذا أمر مخزٍ. عندما يواجه هؤلاء القضاة شهودًا معادين بوضوح، كذبوا على الشرطة أو المحكمة، ويرفضون وصفهم بالشهود المعادين، فلماذا لا يتراجع شهود آخرون عن شهادات قدموها للشرطة أو مدعومة بالوثائق؟ لماذا يسمح القضاة لمحامي الدفاع بعصيانهم وتحويل قاعة المحكمة إلى سيرك؟ ألا يدركون أن عدم احترام القضاء وإنفاذ القانون يبدأ عندهم ويتسرب سريعًا لأسفل؟
يقول غِلعات إنه شهد ذلك، وشعر بالحرج من أجل القضاة ومن أجل النظام بأكمله. وشعر بالخجل تجاه المحكمة العليا بخاصة. وينبغي الاعتراف بالحقيقة: هنا تبدأ عملية تفكك البلاد. وتظهر الأدلة نجاح جهود حكومة نتنياهو لإضعاف السلطة القضائية. وهنا تكمن نقطة الضعف الحقيقية.
عندما تدخل كلمتي Israel Fascism في محرك البحث تنهال عليك مئات المواد المفيدة من الصحافة والأبحاث والمواقع ووسائط التواصل، تبدأ بمجلة «فوروارد» اليهودية الأميركية و«هآرتس» الإسرائيلية وتشمل مختلف أوساط النشر عالميًا. وهذا موضوع حديث آخر.