أوراق إعلامية

«واشنطن بوست» تجثو لترامب: الديموقراطية تموت في الظلام

post-img

علي عواد/ جريدة الأخبار

تتساقط أعمدة الولايات المتحدة تباعًا بين يدي دونالد ترامب. يسيطر على مجلسي الشيوخ والنواب، ويحظى بدعم المحكمة العليا، كما أن أقطاب التكنولوجيا يقفون إلى جانبه.

أكثرهم جنونًا يحمل منشارًا كهربائيًا أهداه له الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي- ولا ندري أيهما أشد جنونًا، هو أم إيلون ماسك- ويدور به في الأروقة من دون رادع.

أحدث تلك الأعمدة كانت صحيفة «واشنطن بوست». تراجع مالكها، جيف بيزوس، مؤسس عملاق البيع بالتجزئة «أمازون»، أمام ضغوط ترامب. الصحيفة، التي كان قسم التحقيقات فيها رأس الحربة في مواجهة إدارته الأولى، شهدت خضوع قسم الرأي أمام الترامبية. إعلان بيزوس الأخير بشأن إعادة هيكلة قسم الرأي، الذي يقضي بحصر الخط التحريري في الدفاع عن «الحريات الشخصية» و«السوق الحرة»، كان بمنزلة طعنة في صميم شعار الصحيفة ذاته: «الديموقراطية تموت في الظلام».

لم يكن انهيار «واشنطن بوست» مفاجئًا بقدر ما كان صادمًا. لعقود، مثّلت الصحيفة نموذجًا لمقاومة السلطة، لكن اليوم، يبدو أن هذا الإرث الصحافي يتلاشى تحت وطأة استحواذ الترامبية على المجال الإعلامي.

أحد أبرز الأصوات المنتقدة لهذه الخطوة كان مارتي بارون، رئيس التحرير السابق للصحيفة، الذي وصف قرار بيزوس بأنه «خيانة لفكرة حرية التعبير». بارون، الذي قاد الصحيفة في سنواتها الذهبية بين عامَي 2012 و 2021، أعرب عن استيائه العميق مما وصفه «تقويض التعددية الفكرية داخل واحدة من أهم الصحف الأميركية».

في مقابلة مع «الغارديان» نشرت قبل أيام، أشار إلى أنه منذ استحواذه على «واشنطن بوست» في 2013، كان بيزوس يؤيد تنوع الأصوات داخل الصحيفة، لكنه اليوم تراجع عن هذا المبدأ، ليس فقط عبر منح الأولوية للآراء المحافظة، بل عبر حجب أي أصواتٍ أخرى قد تعارض رؤية ترامب وأتباعه.

استقالة رئيس قسم الرأي في الصحيفة، ديفيد شيبلي، جاءت كرد فعل مباشر على هذه التغييرات التي تعصف بالمؤسسة. كما أنّ الإعلان عن عدم تأييد الصحيفة لأي مرشح رئاسي للمرة الأولى منذ 30 عامًا، قبل 11 يومًا فقط من الانتخابات، زاد من الشكوك حول مدى استقلاليتها في عهد بيزوس.

أدى هذا القرار إلى موجة استقالاتٍ واسعةٍ وإلغاء أكثر من 200 ألف اشتراك، نتيجة الغضب داخل القاعدة الليبرالية التي دائمًا ما اعتبرت «واشنطن بوست» حصنًا ضد الشعبوية والفاشية الصاعدة.

لكن لماذا هذا التراجع المفاجئ؟ يرى بارون أنّ بيزوس يخشى انتقام ترامب، إذ كانت «واشنطن بوست» دائمًا هدفًا لهجماته، وأراد مالكها التقرّب من الإدارة الجديدة لتجنّب أي تداعيات على إمبراطوريته التجارية. وبالفعل، تبرّعت «أمازون» بمليون دولار لصندوق تنصيب ترامب.

في زيارة بيزوس لمنتجع ترامب، «مار-آ-لاغو»، أبرم صفقة بقيمة 40 مليون دولار لعرض فيلم وثائقي عن ميلانيا ترامب على «أمازون برايم»، فضلًا عن حضوره الشخصي لحفل التنصيب. تحركات واضحة تهدف إلى تحسين علاقته بترامب.

التغيير الجذري في «واشنطن بوست» يجعلها أقرب إلى «وال ستريت جورنال»، التي تتبنى خطًا تحريريًا محافظًا. لكن بارون نفسه يشكّك في قدرة الصحيفة على الحفاظ على قاعدة قرائها، متسائلًا: «كيف يمكن أن يكون قسم الآراء مثيرًا للاهتمام عندما تكون جميع الآراء فيه متشابهة؟».

في الأثناء، يكمل ترامب وفريقه الاستحواذ على المؤسسات الرسمية، بينما يعيش أقطاب التكنولوجيا، الذين يمتلكون بياناتنا كلّها، مراهقتهم المتأخرة بعدما حُرموا منها بسبب التنمّر كونهم Nerds. إيلون ماسك يتعامل مع متلازمة Asperger بطريقته الخاصة: يقفز فرحًا كلما شاهد ترامب أو خرج معه في مقابلة، وكأنه طفل في يوم ميلاده. أما مارك زوكربيرغ، فقرر أن يرتدي بذلة بنسون بون الزرقاء التي غنّى بها في احتفال جوائز غرامي، احتفالًا بعيد ميلاد زوجته بريسيلا تشان الأربعين.

أما الحزب الديموقراطي، فيبدو أنه دخل في حالة غيبوبة. في نهاية الشهر الماضي، قدّم الكاتب والمستشار السياسي البارز جيمس كارفيل مقالًا في «نيويورك تايمز» بعنوان «أفضل ما يمكن للديموقراطيين فعله في هذه اللحظة»، اختصر نصيحته لهم بعبارة: «تظاهروا بالموت». ربما تكون الترجمة الأقرب باللهجة الدارجة: «اعمل نفسك ميّت»! القاعدة الديموقراطية غاضبة، وقاعدة «ماغا» أيضًا، تلك التي جلبت رئيسًا فاشيًا على أمل تخفيض أسعار البقوليات... ويا ليتها انخفضت.

الجزء الممتلئ من الكوب يقول: ربما هذا أفضل. فالعالم بأسره يشاهد جنون الإدارة الأميركية. بالمناسبة، من المهم مشاهدة فيلم The Apprentice من إخراج علي عباسي. أما الجزء الفارغ من الكوب، فيقول: من لديه القدرة على احتمال أربع سنوات من هذا...

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد