في بلدة عيترون في جنوب لبنان، عاش أستاذ الرياضيات حسين عباس، الذي كان شغوفًا بالصيد. قادته هذه الهواية إلى التعرف إلى طبيعة الجنوب اللبناني، والتلذّذ بمتعة الاستكشاف.
بحث عن كبار السن، الذين ذاع صيتهم في فنون الصيد، جمع منهم ما تيسّر من البنادق القديمة، التي يعود تاريخ بعضها إلى مئة وستين سنة. أمّا أثناء رحلات صيده، فكان يبحث أيضًا عن الأحجار الغريبة والنادرة، أولها وجه خنزير متحجّر منذ آلاف السنين. هكذا نشأ شغف جديد لدى عبّاس: جمع الآثار والتحف والمقتنيات النادرة.
على مرّ السنوات، ورغم إمكاناته المادية المتواضعة جدًّا، قصد عبّاس العشرات من كبار السنّ، لجمع المقتنيات التراثية، التي كانت تستخدم قديمًا في الزراعة والصناعة والأعمال المنزلية؛ ثمّ لم يكتف بذلك، بل استعان بأصدقائه ومعارفه من المغتربين لشراء منحوتات ومحنطات من دول مختلفة، واقتنى عددًا من القطع النحاسية النادرة، التي يعود تاريخ بعضها إلى مئات السنين، إضافة إلى الغزلان وعدد من الحيوانات الأفريقية والأميركية المحنّطة. كما جمع عددًا من الأحافير والمستحاثات، التي أكّد له الخبراء المختصون أهميتها، وأنّ بعضها يعود إلى عصور موغلة في القدم.
قبل أن يكتشف شغفه المتأخر، اعتاش عبّاس هو وأسرته من راتبه كأستاذ لمادة الرياضيات في المدرسة الثانوية. لكن مع استسلامه لهوايته الجديدة، بدأ بتقديم دروس خصوصية ليتمكن من شراء التحف والأثريات.
بعد خمسٍ وعشرين سنة، قرر حسين عباس تحويل منزله إلى بيت تراثي، يستعرض فيه مقتنياته التي عمل بجهد لجمعها والحفاظ عليها. سرعان ما أصبح المنزل مزارًا لعدد من الهواة والراغبين في مشاهدة كنوز عباس النادرة. ورغم ذلك، ظلَّ عباس يحلم، برؤية مقتنياته يومًا ما، في متحفٍ تراثي أنيق، يحفظها للأجيال القادمة.
في حرب تمّوز (يوليو) عام 2006، تعرّض محيط منزل عبّاس للقصف الصهيوني، ما أدّى إلى مجزرة، راح ضحيتها 13 شهيدًا. وبعدما تمكّن أهالي بلدة عيترون من العودة إلى قريتهم أخيرًا بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان، كُشف عن رُكام منزل عباس، الذي أطاحه العدو، محطمًا معه خمسًا وعشرين سنة من البحث والشغف والتعب.