اوراق خاصة

"قناع بلون السماء" .. سردية فلسطينية تُكتب بالحبر الروائي

post-img

حسن نعيم/ كاتب لبناني

خاص موقع أوراق

رواية " قناع بلون السماء" للكاتب الأسير الفلسطيني باسم خندقجي الصادرة عن دار الآداب في بيروت، والحائزة جائزة البوكر 2024(الجائزة العالمية للرواية العربية)، هي رواية مقاومة بامتياز فبطلها نور مهدي الشهدي يأخذ على عاتقه تصحيح السردية الغربية حول التاريخ الفلسطيني، ويتوسل في سبيل تحقيق هذا الهدف، طريقة مغامراتية لا تخطر ببال، وذلك بعد أن يعثر صدفة على هوية إسرائيلية باسم أور شابيرا، في جيب معطف يشتريه من محل لبيع الثياب المستعملة.

هذه الهوية تمكّنه من التنقل بيسر وسهولة في مدينة القدس نفسها. هنا يتخذ نور الشهدي المولود في مخيم رام الله قراره بانتحال شخصية أور الإسرائيلي ذي الأصول الأوروبية الغربية، ويباشر بالاندماج في المجتمع الصهيوني بصفة باحث في الآثار مستعينًا بدراسته الجامعية لعلم الآثار وملامحه الغربية التي تجعله شبيهًا بالوافدين من المستوطنين الوافدين من الغرب.

 ينشغل نور الشهدي بدراسة تاريخية استقصائية عن شخصية مريم المجدلية مصححًا سردية رواية "شيفرة دافنشي" لــ"دان بروان" عن هذه الشخصية التي أثارت كثيرًا من الجدل في التاريخ المسيحي بوصفها شخصية مظلومة بسبب طغيان النظرة الذكورية على معظم المهتمين بدراسة هذه الشخصية الاستثنائية في التاريخ المسيحي.

انطلاقًا من تخصصه في علم الآثار؛ يرافق نور بشخصيته الجديدة "أور" البعثات العلمية الغربية المنقبة عن الآثار في القدس والضفة الغربية، ويتعرّف إلى  أيالا شرعابي الإسرائيلية عضو بعثة التنقيب عن الآثار ، وعلى سماء إسماعيل وهي فتاة فلسطينية من حيفا أي من عرب الداخل من ضمن الفريق البحثي عينه. وهو يكون حاضرًا في كثير من النقاشات والحوارات الساخنة بينهما، ويدرأ بحنكته استفزازات الفتاة الإسرائيلية لزميلتها العربية ويخفف من غلواء تحديها المستمر لها. لكن تصرفات" أور" المداهنة للمجتمع الصهيوني لم تلق من سماء إسماعيل إلا المزيد من الحقد عليه بوصفه باحثًا إسرائيليًا يسعى إلى تأكيد النظرية الصهيونية عن التاريخ اليهودي في فلسطين.

نظرات سماء الحاقدة إلى أور كانت تمزقه من الداخل، وتدفعه إلى إجراء كثير من الحوارات بينه وبين نفسه، بين أور الإسرائيلي ذات الهوية الزرقاء ونور إبن مخيم رام الله، حوارات داخلية تكشف عن الصراع الداخلي الذي يعيشه، ولا يجرؤ أن يعترف بها لزميلته العربية.

هو من جهة لا يستطيع ان يفصح لها  عن هويته الحقيقية أنه نور الشهدي إبن رام الله، ومن جهة أخرى لم يعد بمقدوره احتمال  شعور المظلومية الذي يعتمل في نفسها، حتى يصل الوقت الذي "يبق البحصة" وينزع القناع، قناع الهوية الزرقاء المزيفة فيسفر لها عن هويته الحقيقية بأنه نور المشهدي الفلسطيني ابن بيت لحم وانتحاله لشخصية "أور"  كي يتمكّن من اختراق المجتمع الصهيوني وضحد مزاعمه عن التاريخ اليهودي في فلسطين وتصحيح سردية" دان براون "عن مريم المجدلية.

بعد فوزها بجائزة  بوكر للرواية العربية وانتشارها؛ حظيت الرواية بكثير من الاهتمام، وأثيرت حولها كثير من النقاشات والآراء النقدية، لا سيما أن كاتبها باسم خندقجي في السجن، وهو محكوم مؤبد في المعتقلات الإسرائيلية، على أنه ومهما يكن هنالك من أمر، وسواء أكان خندقجي في السجن أم لا، تبقى " قناع بلون السماء" عملًا أدبيًا يستحق القراءة والتقدير لقدرته على تظهير الصراع على الهويات والوجود في فلسطين المحتلة بلغة طيعة بعيدة عن المباشرة والخطابية الفجة والتقريرية الصحفية.

هي لغة لا تغرق نفسها وقارئها في تكرار المواجع والبكائيات، وإنما تطرح أسئلة وإشكاليات عن الهوية والانتماء والأنا والآخر من دون أن تهمش معاناة الفلسطيني في الداخل والتهجير والإبادة الجماعية والعنصرية، وتبين الشرخ الموجود في المجتمع الإسرائيلي بين اليهود الشرقيين والغربيين.

يبقى أن" قناع بلون السماء" هي رواية أضاءت وجهًا من وجوه التغريبة الفلسطينية ، لم تتطرق إليه أعمال أدبية من قبل.

                                                           

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد