غسان ريفي (سفير الشمال)
منذ بدء العدوان الاسرائيلي على لبنان لم تف الولايات المتحدة الأميركية بأي وعد قطعته للبنان ولم تلتزم بأي تعهد قدمته، من الحديث عن الضمانات بعدم قيام العدو الاسرائيلي بالاغتيالات وبقصف الضاحية الجنوبية وبيروت، إلى مهلة الستين يوما للانسحاب الصهيوني من الجنوب في ٢٧ كانون الثاني الفائت بعد إبرام إتفاق وقف إطلاق النار، إلى المهلة الممددة حتى ١٨ شباط الفائت والتي أكدت مبعوثة ترامب إلى المنطقة مورغان أورتاغوس من على منبر قصر بعبدا أن أميركا تضمن الإنسحاب، إلى ما بعد ذلك من دجل ومماطلة وتحريك لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار تارة واللجنة الخماسية تارة أخرى، من أجل الانسحاب الاسرائيلي من النقاط الخمس والبدء بترسيم الحدود.
لم ينتظر رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أن يجف حبر البيانات التي صدرت في هذا الإطار ليعلن أنه باق في النقاط الخمس ولن ينسحب من لبنان ومستمر في إعتداءاته التي وصلت إلى عدد من البيوت الجاهزة في بعض القرى الحدودية ما يؤكد نية إسرائيل منع عودة الأهالي إليها، وأنها ماضية في ترسيم المنطقة العازلة التي تسعى اليها منذ بداية الحرب.
في غضون ذلك، تقف الدولة اللبنانية عاجزة عن مواجهة هذا الواقع، فلا الدبلوماسية التي وعدت بها جاءت بنتيجة إيجابية، ولا الرضوخ للإملاءات الأميركية ساعدت في الضغط على إسرائيل، ولا وزارة الخارجية تقوم بواجباتها كما يجب، علما ان الوزير يوسف رجي لا يتوانى في بعض تصريحاته عن إعطاء إسرائيل المبررات لاعتداءاتها إنطلاقا من خلفيته السياسية، ولا الجيش اللبناني يمتلك قرارا سياسيا بمواجهة العدو في ظل الامكانات العسكرية غير المتكافئة وعدم الإيفاء بالوعود الأميركية بتجهيزه وتسليحه، حتى أنه ممنوع عليه بقرار أميركي الاستفادة من السلاح الذي يعثر عليه في الجنوب حيث يقوم بتفجيره حتى لا يستخدمه في وجه العدو إذا ما أراد ذلك، والمقاومة ما تزال على إلتزامها بإعطاء المساحة الزمنية للدولة للقيام بواجباتها في تحرير الأرض، وإسرائيل تستمر في عربدتها من دون حسيب أو رقيب.
واللافت أن العدو الإسرائيلي الذي يضرب بعرض الحائط كل القرارات الدولية والعهود الأميركية والوساطات الأممية، بدأ بالحديث عن توقيع إتفاق سلام مع لبنان مقابل الانسحاب وترسيم الحدود إلى خط الهدنة عام ١٩٤٩، ما يعني أن إسرائيل تجاوزت القرار ١٧٠١، وقد لاقى هذا الطرح الصدى المطلوب أو الموحى به لدى بعض النواب اللبنانيين الذين يعملون على ترويجه بحجة أن ذلك لا يجوز أن يبقى من المحرمات، الأمر الذي يضع لبنان أمام نسخة منقحة من إتفاق ١٧ أيار الذي أسقطته القوى الوطنية آنذاك.
يبدو واضحا، أن الملف اللبناني لم يعد أولوية لدى إدارة ترامب أمام ملفات أكثر أهمية من غزة الى إيران واليمن وأوكرانيا وسوريا، لكن أميركا تعطي إهتماما خاصا فقط لتعيين حاكم مصرف لبنان وهو اليوم أهم بالنسبة لها من كل الاعتداءات الاسرائيلية، خصوصا أنها تريد حاكما بمواصفات أميركية للضغط على حزب الله ماليا، كما وبحسب المعلومات هناك نحو ١٣٥ مركزا شاغرا في الادارة اللبنانية يحتاج تعيينهم إلى موافقة أميركية وهذه مهمة من مهمات الرئيس نواف سلام.
كل ذلك يؤكد أن لبنان لُدغ من الجحر الأميركي مرات عدة وما يزال يُلدغ، وهو لا يحصل من الدول الراعية إلا على الكلام ففرنسا تعد ولا تفي والسعودية تدعم ولا تترجم وأميركا لا تدعم ولا تترجم وتقف إلى جانب الإسرائيلي ومصالحه.
وما يزيد الطين بلة ويؤدي إلى مزيد من التأزم هي تهديدات ترامب بالسماح لإسرائيل القيام بعمليات عسكرية واسعة في لبنان لعدم حصوله على نتيجة إيجابية في موضوع سحب سلاح المقاومة التي تصبر على هذه الاعتداءات إيفاءً بإلتزاماتها للدولة اللبنانية إنما لصبرها حدود!..