عبد الغني طليس/جريدة الأخبار
كأنما كان ينقص «تلفزيون لبنان» تلك «المعركة» حول ارتداء الحجاب أو وضع الصليب على العنق، حتى يعبّر الكثير من اللبنانيين عن انقسامهم حوله ومن خلاله، بين مَن يعتبره منتهيًا أصلًا ويعاني سكرات الموت، ومن لا يزال «ينتمي» إلى زمنه الجميل، في وقت يحتاج فيه يدًا تمسح عنه غبار الكيد السياسي والمناكفات البشعة التي منعت تشكيل مجلس إدارته منذ سبع سنوات على الأقل، ولا تزال تمنع إلى اليوم.
يحتاج أيضًا عملية إنقاذ، لها أول وليس لها آخِر، بأخباره التي لا تشاهَد كما ينبغي، وبرامجه التي لا تُطرَق أبوابها كما يلزَم، ومسلسلاته التي لا يُعرف عنها إلا أنها قديمة، وإدارته التي لا يستقرّ فيها أحد، لشَهر أو لسنةٍ أو لسنتين، بالوكالة أو بالتنسيق، إلا ويكتشف أن ترقيع المهترئ جهدٌ بلا معنى، وأن التسويات في شؤون تلفزيون الدولة على خلفية طائفية وسياسية، هي «انتصار» لفريق في وقت معين، لا يكتمل حتى يتحول بانتهاء أمَدِهِ إلى «انتصار» لفريق آخَر في وقت آخَر. وهكذا بين كرّ وفَرّ، تعمقت جراح «تلفزيون لبنان» على كل المستويات.
كما «عولجَت» قضية حجاب المراسِلة زينب ياسين، بالانقسام سياسيًا وطائفيًا داخل أروقة مبنى تلة الخياط، وخارجه في الإعلام وقنوات التواصل، من دون مناقشة الموضوع بعقل بارد واعتبار مصلحة التلفزيون المهنية فوق المصالح… هكذا «تُعالج» كل المشكلات والمطبّات الداخلية في شاشتنا الصغيرة منذ أكثر من عقد من السنوات.
لكنّ الفارق أن مسألة الحجاب الأخيرة كسرَت النوافذ وشُرّعَت المبالغات فيها سلبًا وإيجابًا، لا كخلاف في شروط المهنة ومتطلّباتها بل كخلاف بين... مسيحية ومسلمة!
على المسلمين أن يهبّوا لنجدة ابنة الطائفة، وعلى المسيحيين أن يدافعوا عن ابنتهم، ولم يكن ينقص إلا بعض «الكِلل» التي يقال إنها أشعلت حربًا طائفية بين أطفال جيرانٍ ذات زمن في جبل لبنان!؟
أدركُ أن منع الحجاب وتعليق الصليب في «تلفزيون لبنان» هو لتلافي الحساسيات الداخلية. ومع أنني لا أجد غضاضةً البتة في أن تضع مذيعةٌ الحجاب أو أن تضع أخرى صليبًا في عنقها طالما أنّ الأمر لا يؤدي إلى استعراض أو مبالغة قد تسيء إلى صاحبها قبل الإساءة إلى صورة تلفزيون الدولة (الدولة؟!)، فإنّ السؤال الذي يتعيَّن أن يُسأل هو ما قيمة المادة التلفزيونية المهنية التي تقدمها المذيعة أو المذيع، وما هو مستواها، وهل الأداء تام وصحيح أم أنه ناقص وركيك، سواء قُدّمَت تلك المادة من محجبة أو ممّن تباركَت بصليب؟
مؤسف أنّ أحدًا لم يتطرّق إلى أداء المراسِلة المهني، وإلى مدى إقناع الجمهور بما تطرحه على الشاشة أم لا! كلّ المعلّقين انقادوا كعادة اللبنانيين، إلى التخندق طائفيًا وسياسيًا، واكتفوا بذلك. فلو كانت زينب فاشلة مهنيًا، لم يعرِف أحد أنها فاشلة. ولو كانت ناجحة بامتياز، لم يعرف أحد ذلك.
أدركُ أن منع الحجاب وتعليق الصليب، في المطلَق في «تلفزيون لبنان» هو لتلافي الحساسيات الداخلية بين مذيعي المحطة وموظفيها، ولمنع الوقوع في «مباريات» لإظهار تديّن من هنا، أو لاستفزاز من هناك، و«بعضهم» قد يفعلها عامدًا متعمّدًا مُستقويًا بالله وملائكته، فهؤلاء مرفوض عملهم شكلًا ومضمونًا عند جميع زملائهم.
لكن هنا دور الإدارة في الإشراف والتوجيه وكبح الجماح. إنما كيف نحكي عن كبح الجماح، والإدارة في التلفزيون الرسمي مفقودة تمامًا. وإذا وُجدت بقوة الأمر الواقع ( الحراسة القضائية)، فلتيسير بعض الأمور لا للبحث الجدي في ترتيب البيت الداخلي، ونهضة هذا البيت إعلاميًا ووطنيًا.
يقول وزير الإعلام بول مرقص في آخِر تصاريحه إن تشكيل مجلس إدارة تلفزيون الدولة بات قاب قوسين أو أدنى، وهذا مهمّ. لكنه أضاف أن موضوع «الحجاب والصليب» سيحوَّل إلى المجلس ليعطي رأيه وقراره فيه؛ أي إنه من دون أي نية سلبية، حوّل هذه المادة المشتعلة إليه. ومع أن الزميل بسام أبو زيد الذي رشّحه الوزير للإدارة العامة لم يصل بعد إلى مكتبه في المحطة لعدم بتّ أسماء أعضاء المجلس كافة في مجلس الوزراء، ولا ناقةَ ولا جَمَل ولا علاقة له بما جرى، فقد نال نصيبه من الاتهامات بالحركشة الطائفية، تبعًا للمناخ العام المسموم في البلد والمتقبِّل لكل الفتائل!
إذا كانت بداية العمل أمام مجلس الإدارة الجديد، من هذه الزاوية الخانقة، فربما تكون الأسماء التي ستُسحب خارج لائحة الوزير السابقة، قد أُنقِذَ أصحابُها بشحطة قلَم.