آلاء حمود/ جريدة الأخبار
استثنائي هو هذا العام من محرم في ضاحية بيروت الجنوبية، تلك البقعة التي شهدت الحرب، تعاود الحياة من جديد وتنفض الغبار عنها في ذكرى عاشوراء، إحدى المناسبات التي تشهد فيها الضاحية الجنوبية اقامة الشعائر الحسينية من مجالس العزاء وطفرة في المضائف الحسينة. وقد جرت العادة أن يكون المضيف مضيفًا للطعام على حب ابي عبدالله الحسين، الا أنّ هذا العام شهد كسرًا للعادة، اذ شهدت الضاحية مضائف استثنائية من نوعها تقدم خدمات علمية وطبية ونفسية، في مبادرات شكلت نقلة نوعية في مفهوم المضيف السائد.
في حديقة هادئة في منطقة الشياح، تُقام جلسات علمية، حيث يقدم نخبة من الخبراء استشارات في مجال اختصاصهم، فيما تنتشر الرايات السوداء والشعارات الحسينية في الباحة. إنه مضيف الامام الصادق العلمي، صرح معرفي هو الأول من نوعه في لبنان. يؤكد عضو اللجنة المنظمة في مضيف الصادق العلمي باقر كركي أنّ الفكرة انطلقت من أن أحد مصاديق الانفاق هو انفاق العلم، فكان اختيار الاستشارات العلمية بما يتناسب مع أجواء المجتمع والزمان.
يتبنى المضيف شعار «العلم لقاح المعرفة وطول التجارب زيادة في العقل» ليقدم الاستشارات العلمية التي تشمل الإعلام الرقمي، علوم البيانات والذكاء الصناعي، تقنيات البحث في المصادر المفتوحة، إعلام، وبروباغندا سياسية، وتصميم التطبيقات وريادة الأعمال وغيرها. ويلفت كركي الى أن فكرة المضيف لاقت استحسانًا كبيرًا، اذ انهالت الاتصالات بعد اطلاقها بهدف استنساخ التجربة في لبنان والعالم، ليشكل مضيف الصادق بذرة لسنّ سنة جديدة في المضائف الحسينية.
من العلم الى الطب حيث الأطباء في الميدان لا في المستشفى كما تجري العادة، فهنا الطبيب يأتي الى المريض لا العكس كما تشرح عضوة اللجنة المنظمة للمضيف الطبي ليلي خزعل، اذ تقوم كل من «مستشفى السان جورج» و«جمعية ودّ» بوضع مضيف حسيني طبي على اوتوستراد السيد هادي، يقدم خدمات صحية للمارة بهدف الاطمئنان على صحتهم، اضافة الى حملة التبرع بالدم. يشمل المضيف فحوصات السكري والضغط وارشادات لسلامة المرضى، في مبادرة مميزة لاقت اقبالًا عفويًا من المارة العائدين من المجالس. وتخبر خزعل عن تشخيص حالات طبية لم يكن أصحابها على علم بها ليقدم المضيف بعد تشخيص الحالة ارشادات للمتابعة الطبية.
كما كان للجسد حصة في المضائف، فإن للجانب النفسي نصيبًا منها، حيث تقدم «هيئة شعائر» الى جانب مضيف الطعام مضيفًا نفسيًا يقدم استشارات مجانية. يشرح الاخصائي وعضو هيئة شعائر أنور فرحات أنه جاء بفكرة المضيف النفسي انطلاقًا من كونه مختصًا في علم النفس، بالتزامن مع حاجة المجتمع لاستشارات ودعم ووعي نفسي لاسيما بعد الحرب.
يلفت فرحات الى إقامة مضيف مستجد للأطفال لتشجيع الأهل على احضار أطفالهم للتوزيع الطعام على حب الحسين، بهدف تربيتهم على العطاء والاندماج الفعال في المجتمع، فيما يأمل فرحات استنساخ تجربة المضيف النفسي في كل لبنان نظرًا إلى أهميته.
مضائف مميزة انطلقت من وعي لافت في المجتمع الشيعي في لبنان، اذ أجمع مقيمو المضائف هذه أنّ ما دفعهم لاطلاقها هو النظرة النقدية للمضائف السائدة، فالاطعام وحده لا يكفي على حبّ الحسين، لتكون هذه المضائف المستجدة انعكاسًا لتطور في طرائق توصيل الرسائل العاشورائية الحسينية، شملت العقل والجسد والنفس.