اوراق خاصة

ماذا بعد مجازر السويداء؟

post-img

فادي الحاج حسن / كاتب لبناني 

شهدت محافظة السويداء السورية، والواقعة في الجنوب، في هذا الشهر (تموز/يوليو 2025) تصاعدًا غير مسبوق في العنف، حيث تحولت إلى ساحة صراع دموي بين تشكيلات مسلحة قادمة من الأرياف وأهالي المنطقة من الطائفة الدرزية المدافعين عن أراضيهم ومجتمعهم. هذا الصراع لم يكن مجرد مواجهة محلية، لقد تحوّل إلى حلقة جديدة في سلسلة الفوضى التي تعمّ المنطقة، والتي خططت "إسرائيل" لها، وعملت على خلق بذور التفرقة والصراعات الداخلية كي تستثمرها لفرض سيطرتها الإقليمية وتوسيع نفوذها.  

انطلاقًا من عدسة التحليل السوسيولوجي والجيوسياسي، تبرز معركة السويداء أنموذجًا يستحق الدراسة لتكشف الأهداف الإسرائيلية الاستراتيجية في تفكيك الدول المجاورة، وإضعاف أي مقاومة محتملة فيها، وفرض هيمنتها على المنطقة عبر سياسة "الفوضى الخلاقة".. لكن السؤال: كيف تشعل "إسرائيل" هذه الأزمات وتستغلها؟ وما تأثير ذلك في لبنان الذي يعاني أصلاً أزمات سياسية واقتصادية خانقة؟  

التخطيط الإسرائيلي للسيطرة على المنطقة والفوضى أداة الهيمنة 

لم تكن الأحداث الدامية في السويداء بعيدة عن الاستراتيجية الإسرائيلية؛ فـــ"إسرائيل" منذ تأسيسها اعتمدت مبدأ "فرق تسد" لضمان بقائها أولًا، وتفوقها العسكري والأمني ثانيًا، مستغلةً لأجل ذلك التنوع الطائفي والمذهبي والعرقي في الدول المجاورة، والذي حوّلته من غنى ثقافي حضاري تتميّز به المنطقة إلى عامل أساسي في التناحر والاقتتال، وما حدث في "السويداء" السورية، في الأيام الأخيرة، وكيف تتصرف "إسرائيل"حياله خير دليل على دورها هذا، ثم استغلال نتائجه لاحقًا، لتبني على أنقاضها ما ترمي إليه، والذي يتجلّى على الشكل الآتي:


1.    تفكيك الجنوب السوري لتعزيز الأمن الإسرائيلي  


تسعى "إسرائيل" إلى تحويل الجنوب السوري إلى منطقة منزوعة السلاح خالية من أي تهديدات محتملة، سواء من المقاومة السورية أم حلفائها اللبنانيين. ومنذ اندلاع الحرب في سورية في العام 2011، عملت "تل أبيب" على:  


•    تأجيج الصراعات الداخلية بين مكونات المجتمع السوري، خاصة في المناطق الحدودية، لضمان عدم استقرار أي دولة قد يشكّل تهديدًا لها في المستقبل.
•    دعم جماعات مسلحة غير منضبطة، في درعا والسويداء، لخلق حالٍ من الفوضى المستدامة، ما يُضعف السلطة المركزية في دمشق، ويصعّب أي محاولة لإعادة بناء الجيش السوري. في هذا الجانب؛ لا بدّ من التذكير بأنّ هذه الجماعات هي صنيعة الولايات المتحدة، بدليل قاطع لا شكوك فيه ظهر مع اعترافات هيلاري كلينتون في مذكراتها، والذي كشفه أيضا الرئيس الحال دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية.
•    قطع خطوط الإمداد بين سوريا ولبنان، وخاصة تلك التي قد تستخدمها المقاومة لنقل الأسلحة أو تعزيز قدراتها العسكرية.  


2.    سياسة "حافة الفوضى" لضمان التوسع الإقليمي  


•    يعتمد العدو الإسرائيلي إبقاء المناطق المحيطة به في حالٍ من عدم الاستقرار الدائم، وهو ما يُعرف بـ"حافة الفوضى"، وذلك تبعًا للآتي:  
•    تُضعف الدول المجاورة عبر الحروب الأهلية والانقسامات، ما يمنعها من تشكيل جبهة موحدة ضدها.  
•    تستخدم الاضطرابات ذريعةً للتدخل العسكري المباشر، كما حدث في الضربات المتكررة على مواقع في سوريا ولبنان.  
•    تحوّل الدول المجاورة إلى كيانات هشة، غير قادرة على المطالبة بحقوقها أو استعادة أراضيها المحتلة.

 
إن المواجهة مع الأطماع الإسرائيلية تتطلب استراتيجية عربية مشتركة تعتمد على:  


1. تعزيز الوحدة الوطنية، في سوريا ولبنان، وقطع الطريق على أي محاولات لتفكيك النسيج الاجتماعي.  
2. إعادة بناء الجيوش الوطنية وتوحيد الجهود لمواجهة التهديدات الإسرائيلية.  
3. كسر الحصار الاقتصادي عبر تعزيز التعاون مع المحور المقاوم وحلفائه.  


"إسرائيل" لن تتوقف عن مخططاتها التوسعية إلا إذا واجهت مقاومة صلبة من دول الجوار، قادرة على تحدي سياسة "الفوضى الخلاقة" وإفشال مشروع الهيمنة الإقليمية.
لكن السؤال الأهم: هل فعلا نأمل أن نشهد أشكال الوحدة هذه بين الدول العربية وجيوشها للتصدي لأطماع الكيان الصهيوني؟
 

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد