اوراق خاصة

سياسة "الحصان الميت" في لبنان..الوهم والواقع

post-img

فادي الحاج حسن / كاتب لبناني

منذ بداية تشكّل الدول الحديثة، كان السلاح أحد الأعمدة الرئيسة التي تستند إليها السيادة الوطنية للدفاع عن الوطن والمواطن. في منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط)، حيث الصراعات والتوترات الإقليمية دائرة منذ عقود طويلة، تصبح مسألة السلاح ضرورة حتمية أكثر مما هو حق لضمان بقاء الدول واستمرارها. من هنا، يأتي فهم عميق لمسألة "سلاح المقاومة" في لبنان، في ظل معايير وظروف سياسية وأمنية واجتماعية معقدة للغاية، ضمن إطار شامل يفهم منه جوهر الحاجة إلى هذا السلاح بصفتها آلية حماية لا غنى عنها.

أهمية السلاح في حماية الدول والوطن والمواطن

مسألة السلاح، في جوهرها، تشمل العنف حكمًا، هو  عنف في المقام الأول وسيلة ضمان الأمن والدفاع، واستمرارية وجود الدولة وتأمين حياة المواطنين. وكل دولة تواجه تحديات داخلية وخارجية، سواء تهديدات عسكرية مباشرة أم إرهابًا والاعتداءات.. ما يجعل مسألة التسلح وتحقيق إمكانات عسكرية فعالة وموثوقة أمرًا لا مفرّ منه؛ فيصبح العنف دفاعًا ..

في غياب قدرة دفاعية حقيقية، تصبح الدولة عرضة لإملاءات خارجية وتبيعية مذلة، والسيادية لا صورة لها ولا وجود. وهذا ينعكس مباشرة في حياة شعبها، ويهدد استقرارها الاقتصادي والسياسي. لذلك، يمكن فهم مسألة السلاح أو التسلح ركيزةً ضرورية لتحقيق:

  • الردع الفعّال: القدرة على منع أو تقليل تهديد العدو؛ بإظهار قوة قادرة على الردع، ما يحد من وقوع العدوان أو يقلل من تبعاته.
  • حماية السيادة الوطنية: الشروط الأساسية لاستقلال القرار الوطني تبدأ بضمان أمن الأرض والسماء وحتى مياه الدولة.
  • حماية المواطنين: بقوات مسلحة مجهزة، تكون الدولة قادرة على الدفاع عن مواطنيها في مواجهة أي اعتداء أو تهديد.
  • دعم الاستقرار الداخلي: قوة الدولة العسكرية تساعد في فرض القانون والنظام، ما يحد من انتشار الفوضى أو النزاعات المسلحة الداخلية.

واقع لبنان.. بين حق التسلّح والواقع

لبنان حال فريدة تعكس تعقيدات سياسية وأمنية تستوجب دراسة دقيقة، في مسألة التسلّح، في ظل البيئة الإقليمية المتوترة، خصوصًا مع التهديدات والاعتداءات التي تتكرر من الجانب العدو الإسرائيلي، أصبح السلاح جزءًا لا يتجزأ من معادلة الأمن الوطني اللبنانية.

رسميًا، تعلن السلطة اللبنانية رغبتها أن يكون السلاح حصرًا بيد الدولة، حيث يشكل الجيش اللبناني المؤسسة العسكرية الوطنية التي من حقها وحدها حفظ الأمن وحماية السيادة. وهذا حق بديهي تطلبه الدولة؛ إنما الواقع يحوّله من مسألة بديهية إلى تهوّر خطير يجرد البلد من قوته الوحيدة الحقيقية التي تحميها منذ العام 1978، أي قبل اجتياح العدو الإسرائيلي لجنوب لبنان عندما وصل إلى العاصمة بيروت في العام 1982.

هذا التضاد بين "السيطرة الرسمية" و"الوجود العسكري المقاوم" ينبع من فجوة أمنية وواقعية لا يمكن تجاهلها: ضعف الجيش اللبناني عسكريًا وعتادًا وذخير متقدمة، من جهة، وتنامي الحاجة الملحة إلى ردع مؤثر وفاعل من جهة أخرى.

نظرية "الحصان الميت" السياسية

نظرية "الحصان الميت" تشير إلى الفشل في التوقف عن استخدام وسائل أو سياسات غير فعالة، على الرغم من وضوح عدم جدواها، غالبًا، خوفًا من التغيير أو تبعات الاعتراف بالفشل. في الواقع اللبناني، يلاحظ أن للحكومة خطابين في التعامل مع "مسألة السلاح":

  • من جهة، إصرار رسمي على أن السلاح ينبغي أن يخص الدولة وحدها، ويجب نزعه من المجموعات المسلحة غير الرسمية.
  • من جهة أخرى، تقبل ضمني وعملي بوجود تلك المجموعات وتشكّلها قوة ردع لا يمكن تجاهلها.

هذا التناقض يمكن عده مثالًا عمليًا على "حصان ميت"، إذ تستمر الحكومة في التمسك بسياسة لا تعكس واقع الميدان، وتعيق تطوير قدرة الجيش اللبنانية أو الوصول إلى صيغة وطنية شاملة تحفظ الأمن والسيادة فعليا.

في لبنان، واقع الحال فرض على السلطة نوعًا معيّنًا من سياسات التوازن، لكنه بات واضحًا أن الأمن الوطني يمرّ عبر حماية ما هو موجود وفعّال على الأرض، حتى وإن كان خارج الإطار الرسمي.

إذ إنّ التهديد الإسرائيلي المستمر؛ يجعل "إسرائيل" العدو الأساسي الذي يهدد سيادة لبنان بشكل مباشر ومستمر، في غارات وانتهاكات حدودية، وعمليات عسكرية واغتيالات.. والجيش اللبناني غير مجهز بالعتاد العسكري الكافي، ليواجه هذه الاعتداءات، أو على الأقل يوقفها..

كما أن إدارة التوازن الأمني مع وجود سلاح المقاومة، يحسّن قدرة لبنان على الردع ويفرض توازنًا بين القوى الإقليمية فيمنع أي عدوان محتمل. في هذا الواقع، يظهر دور المقاومة عاملا ردعيا؛ على الرغم من الجدل السياسي الداخلي والدولي حياله، ومهما يكن؛ عمليا أضحت المقاومة وسلاجها الركن الدفاعي عن لبنان في مواجهة تهديدات محدقة به من الاحتلال الإسرائيلي.

بناء على هذا الواقع؛ لبنان بحاجة إلى رؤية واضحة تُخرج مسألة السلاح من دائرة الخلافات المفتوحة إلى دائرة الأمن المشترك، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا عبر خطوة حكومية جريئة:

  • - الاعتراف بالواقع الأمني الحالي.
  • - تبني سياسة أمنية مرنة تحترم دور المقاومة، وفي الوقت نفسه تسعى إلى بناء دولة ذات قوة عسكرية فاعلة ومستقلة.

سلاح المقاومة في لبنان هو أكثر من أداة عسكرية أو رمز سياسي،  هو عنصر وجودي مرتبط ببقاء الوطن والمواطن؛ وحماية لبنان تعني حماية أبنائه كلهم من دون استثناء من الاعتداءات الخارجية ومخاطر الانقسام الداخلي.

إن استمرار الحكومة اللبنانية في سياسات لا تعكس واقع الحماية، يمكن أن يعيد إنتاج نظرية "الحصان الميت"، حيث يبقى الخطاب الرسمي متمسكًا بسياسات غير قادرة على تحقيق الحماية، فتظل الدولة عرضة للتهديدات. البديل هو تخطي هذا الواقع في استراتيجية وطنية شاملة تضمن سلاحًا فعّالًا وموحدًا يخدم هدفًا واحدًا: حماية لبنان وأمان مواطنيه في عالم لا يعرف الهدنة الدائمة.

بذلك، يصبح سلاح المقاومة، بكل أشكاله، حقًا وضرورةً وطنية لا تقبل القسمة أو التفريط، فحماية الوطن والمواطنين هي الأسمى والأعلى من كل حساب، وما لم تتحقق هذه الحماية، بشكل عملي وواقعي، فالسيادة الوطنية ستبقى مهددة، كما ستبقى حياة اللبنانيين في دائرة الضعف، تتلاعب بمصيره طروحات وهمية، أقل ما يقال فيها إنها "حصان ميت"، يظنونه بوابة سحرية تغير صورة وجود لبنان المقاوم إلى لبنان الأميركي .. وإن راجعوا تاريخ هذا الأميركي سيرون وجوده حتما إلى زوال؛ فهو الاحتلال الحقيقي، وإن طال عمره ونفوذه،لأن أي وجود لا يبنى وفقا للحقيقة والواقع والتاريخ، سينهار يوما ويتفكك..لتعود الأرض حرة ليرثها عباد الله الصالحون..

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد