اوراق خاصة

"قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين" في ميزان السياسة الدولية والنفاق الأمريكي

post-img

فادي الحاج حسن / كاتب لبناني

في خطوة تكشف عمق الأزمة الأخلاقية والسياسية التي تعصف بالحكومة الصهيونية الإسرائيلية الأكثر تطرفًا في تاريخها؛ صادق الكنيست الإسرائيلي بالقراءة الأولى على مشروع قانون يسمح بفرض عقوبة الإعدام على أسرى فلسطينيين. يأتي هذا التشريع، والذي يدفعه بقوة تيار اليمين المجرم بزعامة من يسمى "وزير الأمن القومي" إيتمار بن غفير، في سياق حرب مدمرة على قطاع غزة وسياسات قمعية متصاعدة في الضفة الغربية، ليطرح أسئلة جوهرية عن مستقبل الصراع وموقع القانون الدولي الإنساني وحقيقة الدور الذي تؤديه الولايات المتحدة "راعية الديمقراطية" المزعومة وحليفة "إسرائيل" الاستراتيجية. 

أولًا- الخلفيات والأسباب الخفية للقرار الإسرائيلي

لم يأتِ. مشروع قانون الإعدام من فراغ، هو نتاج تراكمات سياسية وصعود لتيار يميني يزداد إجراما في الكيان المؤقتـ يرى في العنف والقوة “الحل” الوحيد لإدارة الصراع تاريخيًا، تجنبت حكومة العدو الارهابية تطبيق عقوبة الإعدام إلا في حالات نادرة جدًا. لكن الحكومة الحالية، والتي تضم شخصيات أكثر إجراما، تتبنى أجندة تقوم على ما يسمونه "الحسم"، وليس "إدارة الصراع". بالنسبة إليهم، يمثل الأسرى الفلسطينيون، وخاصة أصحاب الأحكام بالمؤبد، رمزًا للصمود الفلسطيني، والإفراج عنهم في صفقات تبادل يُعد هزيمة للردع الإسرائيلي.

1.    الدافع الأيديولوجي والانتخابي: يُعد القانون انتصارًا أيديولوجيًا لليمين المجرم الذي يرى في الفلسطينيين أعداء يجب القضاء عليهم أو طردهم. يستخدم الوزير إيتمار بن غفير هذا القانون ورقة رابحة لإرضاء قاعدته الانتخابية؛ إذ قام بتوزيع الحلوى احتفالًا بإقراره الأولي. هذا السلوك يكشف استغلال بشع لمعاناة الأسرى لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة. 

2.    تغيير قواعد الاشتباك ومنع صفقات التبادل: الهدف الاستراتيجي للقانون هو القضاء على “ورقة الأسرى” التي تستخدمها فصائل المقاومة في عمليات المقايضة. إعدام الأسرى يعني إغلاق الباب أمام أي مفاوضات مستقبلية لتبادل الأسرى، ما يخدم الرغبة الإسرائيلية في كسر إرادة المقاومة. 

3.    شرعنة إرهاب "الدولة" والعنصرية: القانون، في جوهره، قانون عنصري بامتياز. يستهدف حصرًا الفلسطينيين المدانين بما يسمونه "الإرهاب"، بينما لا ينطبق على المستوطنين الإسرائيليين الذين يرتكبون جرائم قتل بحق الفلسطينيين بدوافع عنصرية. هذا التشريع يشرعن سياسة إرهاب حكومات العدو الممنهج، ويؤكد نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) الذي تمارسه.

ثانيًا- القانون الدولي وجريمة التواطؤ

1.    انتهاك اتفاقيات جنيف: القانون الدولي الإنساني، وتحديدًا اتفاقيات جنيف الرابعة، تصنّف الأسرى الفلسطينيين أشخاصًا محميّين في ظل الاحتلال، ويجب معاملتهم وفقًا للقانون. عقوبة الإعدام محظورة في عمليات "النزاع" المسلح إلا وفقًا لضمانات قضائية صارمة. ويُعدّ هذا القانون، بتخفيفه لشرط الإجماع القضائي، تقويضًا لهذه الضمانات. وقد وصف خبراء دوليون هذا القانون بأنه يسمح بجريمة حرب محتملة.

2.    مخالفة المعايير الدولية لحقوق الإنسان: يتناقض القانون والاتجاه العالمي نحو إلغاء عقوبة الإعدام والبروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما أن تطبيق العقوبة بأثر رجعي على أسرى اعتقلوا قبل إقراره يُعد انتهاكًا لمبدأ "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني سابق".

ثالثًا- النفاق الأمريكي والدعم المطلق لــ"إسرائيل" إرهاب موصوف

1.    الدعم يحفز الإرهاب الصهيوني: الدعم الأمريكي المطلق، والذي يتجسد في المساعدات العسكرية السنوية الضخمة واستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لحماية "إسرائيل" من أي إدانة، هو السبب الرئيس الذي يحفز حكومة الاحتلال الإسرائيلية على المضي قدمًا في سياساتها المتطرفة. هذا الدعم يمنح الكيان المؤقت شعورًا بالحصانة المطلقة من المساءلة الدولية.

2.    ازدواجية المعايير: بينما تدين واشنطن انتهاكات حقوق الإنسان في دول أخرى، هي تلتزم الصمت أو تصدر بيانات "قلق" خجولة لا ترقى إلى مستوى الإدانة المطلوبة إزاء قرار إعدام الأسرى الفلسطينيين. هذا الصمت هو دعم ضمني لإرهاب الكيان الإسرائيلي.

3.    الكيان الغاصب وحقيقة الدعم: الدعم الأمريكي للعدو ليس مجرد التزام أخلاقي، هو استثمار استراتيجي في حليف يخدم المصالح الأمريكية في منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط). هذا التحالف الاستراتيجي يأتي على حساب المبادئ والقانون الدولي، ويكشف أن حقيقة هذا الكيان لا تكمن فقط في احتلاله للأرض، أيضًا في قدرته على انتهاك القانون الدولي بضوء أخضر من القوة العظمى.

رابعًا- تداعيات القرار على المنطقة

إن إقرار هذا القانون، حتى في قراءته الأولى، له تداعيات جيوسياسية خطيرة تتجاوز حدود المعتقلات والسجون:

1.    تأجيج الصراع: بدلًا من تحقيق الردع، سيؤدي القانون إلى تأجيج الصراع وتصعيد المقاومة. إعدام الأسرى سيحوّلهم إلى أيقونات ورموز، ما يزيد من الدافعية للعمليات الاستشهادية والانتقامية، ويزيد من صعوبة أي حل سياسي مستقبلي.

2.    تدهور صورة "إسرائيل" الدولية: على الرغم من الدعم الأمريكي، القانون سيلحق ضررًا فادحًا بصورة الكيان الدولية، ويؤكد الاتهامات الموجهة إليه بممارسة الفصل العنصري. هذا سيعزز حركة المقاطعة وسيزيد الضغط على حلفائها الأوروبيين.

3.    تقويض جهود الوساطة: يضع القانون عقبة أمام أي جهود وساطة مستقبلية، خاصة في ما يتعلق بملف الأسرى، ما يعقّد أي محاولة للتهدئة أو وقف إطلاق النار.

في الختام

إن مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين هو وثيقة إدانة ذاتية لحكومة الاحتلال الإسرائيلية الإرهابية، تكشف تحولها الكامل نحو التطرف والعنصرية. إنه يمثل تحديًا مباشرًا للمجتمع الدولي الذي يجب أن يتجاوز النفاق السياسي ويتحمّل مسؤولياته.

المطلوب ليس مجرد قلق أو إدانة خجولة، بل تحرك دولي فوري لوقف هذا "التشريع" الذي يمثل إرهابًا ممنهجًا من استيطان يسرق الأرض ويبيد أصحابها. يجب على الدول الموقعة على اتفاقيات جنيف تفعيل آليات المحاسبة، والضغط على الولايات المتحدة لوقف دعمها المطلق الذي يمنح "إسرائيل" الحصانة. 
إن الدفاع عن حياة الأسرى الفلسطينيين دفاع عن القانون الدولي، وعن آخر ما تبقى من مصداقية للمنظومة الدولية في وجه الصهيونية المجرمة والنفاق الأمريكي.
 

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد