غسان ريفي (سفير الشمال)
رفعت الولايات المتحدة الأميركية من منسوب الضغط على لبنان بعد توجيه رسالة مزدوجة إلى السلطة السياسية والجيش الوطني بإلغاء مواعيد قائد الجيش العماد رودولف هيكل مع مسؤولين أميركيين ما دفعه إلى تأجيل زيارته المقررة إلى واشنطن.
يبدو أن “بخ السم” الذي تحدث عنه رئيس الجمهورية جوزاف عون قد فعل فعله وتُرجم في السلوك الأميركي الذي يُشكل انعكاسا للموقف "الإسرائيلي" المتضرر من عمل الجيش في جنوب الليطاني ومن مواقف القائد الذي إقترح على مجلس الوزراء تجميد خطة حصرية السلاح بانتظار الانسحاب "الإسرائيلي" وتأكيده على أن الاحتلال يعرقل الجيش ويحول دون استكمال مهمته في جنوب الليطاني، فضلًا عن الغضب الأميركي من بيانات مديرية التوجيه التي تصف "إسرائيل" بالعدو.
يبدو واضحًا أن الأميركي يسعى إلى تغيير العقيدة الوطنية للجيش القائمة على العداء لـ"إسرائيل" تمهيدًا لتطبيع أو لسلام هو أشبه بالاستسلام مع الضغط من أجل دخول لبنان إلى مفاوضات مباشرة تحت النار لإخضاعه للشروط الصهيونية في البقاء ضمن النقاط الخمس وإقامة المنطقة العازلة تحت العنوان الاقتصادي - الصناعي.
وعلى قاعدة “إذا عُرف السبب بطُل العجب”، فقد ظهرت أسباب هجوم بعض الأطراف الداخلية على قيادة الجيش واتهامه بالتقصير والذي شكل تمهيدًا للموقف الأميركي الذي عبّر عنه أعضاء في الكونغرس من جوني إيرنست التي انتقدت تصرفات المؤسسة العسكرية معتبرة أنها “لا تقوم بواجباتها”، وليندي غراهام الذي أعاد نشر تغريدتها، إلى توم حرب الذي دعا إلى “إقالة قائد الجيش وتعيين قائد سيادي”، حيث تبدو السيادة بالنسبة للمسؤولين الأميركيين مرتبطة بالانصياع للأجندة الصهيونية وهذا ما يتعارض مع توجهات المؤسسة العسكرية ومع موقف قائدها الوطني الذي يعمل على تنفيذ قرارات مجلس الوزراء مع الحفاظ الكامل على الوحدة والكرامة الوطنية والسلم الأهلي ومنع الفتنة التي يريدها الأميركي و"الإسرائيلي" على حد سواء.
لم يعد خافيا على أحد أن أميركا تريد الجيش في مكان آخر تحدث عنه توم برّاك في تصريحاته، حيث أكد أن “أميركا تريد تسليح الجيش ولكن ليس لقتال الجيش "الإسرائيلي" بل لمواجهة حزب الله وبيئة المقاومة”، ما يعني فتنة داخلية تمكّن "إسرائيل" من تحقيق ما لم تستطع تحقيقه خلال الحرب من خلال دماء اللبنانيين.
والواضح أيضًا، أن "الإسرائيلي" يريد ضرب معنويات الجيش وكسر إرادته وإضعاف قيادته وهي المؤسسة الوحيدة الباقية والضامنة لاستقرار لبنان، وهو لا يريد مفاوضات ولا يقيم وزنا للجنة الميكانيزم ولا لاتفاق وقف إطلاق النار ولا للقرار الأممي ١٧٠١، بل يريد الاستمرار في عدوانه وفي الضغط على لبنان للذهاب نحو خيارات تتناقض كلّيًّا مع توجهات عهد الرئيس جوزيف عون ومع الدستور والقانون اللبنانييّن.
واللافت أن أميركا تُناقض نفسها حيث إن لجنة الميكانيزم في اجتماعها الأخير أشادت بإنجازات الجيش، وكذلك قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال براد كوبر الذي أعتبر خلال زيارته أن “ما يقوم به الجيش هو عمل جبار يستحق التنويه” وأيضًا مورغان أورتاغوس، ما يؤكد أن هناك “لوبي لبناني” يعمل على تشويه صورة الجيش في واشنطن وهو ما وصفه رئيس الجمهورية ب”بخ السم” و”لوبي صهيوني” موازي يقوم بالتحريض على المؤسسة العسكرية كونها تتصرف بعكس ما يشتهي ولا تحقق له مبتغاه في الوصول إلى الفتنة الداخلية، خصوصًا أن الجيش رفض الدخول إلى منازل المواطنين وتفتيشها بحسب ما طلبت لجنة الميكانيزم.
تشير مصادر سياسية مواكبة إلى أن “أميركا ربما لا تعرف أن ضباط الجيش وعلى رأسهم القائد العماد رودولف هيكل لا تُخضعهم أزمة مالية، ولا تُبدل عقيدتهم ومفاهيمهم تغيّر الظروف الدولية والإقليمية والمحلية وبالتالي فإن كلّ منهم عصيّ على الإغراءات وعلى البيع والشراء.
كما يبدو وبحسب المصادر نفسها أن حكومة نواف سلام تخضع بالكامل للضغط الأميركي لجهة عدم إنصاف الجيش اللبناني، حيث إنها وبالرغم من دخولها الشهر التاسع لم تهتم في زيادة رواتب العسكريين وتحسين أوضاعهم المعيشية والاجتماعية، وهم ما زالوا يعملون باللحم الحي جنوبًا وشرقا وشمالًا ويحفظون أمن اللبنانيين في كلّ استحقاقهم، ويحرصون على ضبط الاستقرار الداخلي ويواجهون عمليات التهريب وتجار المخدرات ويقدمون التضحيات ويزفّون الشهيد تلو الشهيد، ومع كلّ ذلك يتعرضون للانتقاد ويُتهمون بعدم قيامهم بواجباتهم، في حين أن المؤسسة العسكرية تكاد تكون الوحيدة التي تحمي هيكل الوطن من الانهيار فوق رؤوس الجميع.
وتؤكد المصادر أن الموقف الأميركي من قائد الجيش يشكّل وساما على صدره ويؤكد ثباته على العقيدة الوطنية وتمسكه بالسيادة اللبنانية الحقيقية القائمة على تحرير الأرض وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، وليس “سيادة” المتسكعين على أبواب السفارة الأميركية والمنتظرين أدوارهم على أبواب الطائرات الخاصة للذهاب إلى واشنطن وتقديم فروض الطاعة والولاء لنيل الرضى الأميركي المرتبط بشكل وثيق بالرضى ال"إسرائيلي".