اوراق خاصة

ماذا يعني تعيين كرم رئيسًا للوفد اللبناني في "الميكانيزم"؟

post-img

حسين كوراني

أدى قرار لبنان الرسمي برفع مستوى تمثيله، في المفاوضات مع الكيان الصهيوني عبر لجنة "الميكانيزم"، من المستوى العسكري - الفني إلى المستوى السياسي، إلى جدل واسع في الساحة اللبنانية، لاسيما في بيئة المقاومة، لما قد تسببه هذه الخطوة من نتائج تؤدي إلى فتح علاقات اقتصادية بين الجانبين تمهد الطريق نحو التطبيع.

على الرغم من أن القرار جاء بالتوافق بين الرؤساء الثلاثة (الجمهورية جوزاف عون، مجلس النواب نبيه بري، الحكومة نواف سلام) إلى أنه لا يمكن التعاطي معه بمستوى الخفّة أو كأنه خطوة عابرة. كما أنه لا يمكن للبنان أن يخوض مغامرة كهذه، بالأخص حين يتعلّق الأمر بالعدوّ "الإسرائيلي" الذي أثبتت التجارب إتقانه أسلوب المراوغة والخداع في التفاوض، ولا يقيم وزنًا لأي التزام لا يرى فيه مصلحة له.

لذلك؛ فإن قرار تعيين السفير السابق في واشنطن والدبلوماسي سيمون كرم لترأس الوفد اللبناني، بصرف النظر عن حقده الدفين للمقاومة وتهجمه عليها مؤخرًا، يثير القلق ويستدعي التمعّن في خلفياته وأبعاده وكيفية صياغته. إذ قد يشكّل بداية لمسار سياسي يمكن أن يقود البلاد إلى كارثة وطنية كبرى، يصبح من الصعب تفادي تداعياتها في ما بعد، كما حصل إبّان الاجتياح "الإسرائيلي" للبنان في حزيران من العام 1982، حين أجرت بيروت و"تل أبيب" مفاوضات في كانون الأول من العام نفسه ترأسها مدنيون: أنطوان فتّال من الجانب اللبناني وديفيد كمحي من الجانب "الإسرائيلي". أدت هذه المفاوضات إلى اتفاق الذّل في أيار العام 1983، والذي لم يوقع بسبب رفض الرئيس السوري حافظ الأسد له أوًلا، ثمّ انتفاضة 6 شباط 1984 التي قائدها رئيس حركة أمل نبيه بري يومذاك؛ ثانيًا.

بحسب المراقبين؛ قبول الرئيس عون بتكليف شخصية سياسية في ترأس المفاوضات جاء بعد زيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى بيروت. وهي الزيارة التي بدا أن أحد أهدافها توفير غطاء روحي للحوار المباشر مع العدو، حين قال: "لا يظنّ أحد بعد الآن أنّ القتال المسلّح يجلب أي فائدة؛ فالأسلحة تقتل، أمّا التفاوض والوساطة والحوار فتبني"..! والمستغرب أن الحبر الأعظم أتى على ذكر الاعتداءات على لبنان من دون أن يحدّد هوّية المعتدي.

كذلك فعل الرئيس عون، إذ إن الرسالة التي أراد إيصالها في خطابه أمام البابا، حين تحدّث عن "بقاء لبنان مساحة اللقاء الوحيدة في منطقتنا كلها، حيث يمكن تلاقي كلّ أبناء إبراهيم بكلّ معتقداتهم ومقدّساتهم ومشتركاتهم"، هي إعادة دعوة العدوّ "الإسرائيلي" إلى مفاوضات السلام من دون أن يأتي على ذكر الاعتداءات "الإسرائيلية" ولو لمرة واحدة. كأنّ التركيز، اليوم، والضغط الدولي كله، يقتصران على مفاوضات السلام، وليس على إنهاء الاحتلال "الإسرائيلي" أو وقف الاعتداءات على لبنان.

كيف وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه؟

لم يكن تكليف شخصية مدنية مفاجئًا، لكن المفاجئة أن الرئيس عون أبلغ المعنيين سابقُا بنيّته تسمية بول سالم لهذه المهمّة، لكن تبدل الاسم في ليلة وضحاها. وبحسب المعطيات؛ وصل اسم كرم جاهزًا إلى السلطة اللبنانية من الأميركيين أنفسهم، بعدما أصرّوا على أن تمثّل لبنان شخصية دبلوماسية - سياسية تتوافق وطبيعة المرحلة. كما تبلّغ الضباط اللبنانيون الثلاثة للجنة الاتفاق في ساعة متأخّرة من الليلة التي سبقت الاجتماع بأنّ كرم سيرأس الوفد.

في خضم ذلك، أكّد لبنان الرسمي على لسان الرئيس بري أن: "المهمّة التي كُلّف بها السفير كرم تقنية بحتة، وتتعلق بالتفاوض في وقف الاعتداءات وتحرير الأسرى وإنهاء الاحتلال. وأي خروج عن الإطار التقني يعني انتهاء دور كرم فورًا". 

أما رئيس الحكومة نواف سلام؛ فقد قال إنه: "ليس في صدد مفاوضات سلام مع "إسرائيل"، وأي حديث عن تطبيع يبقى مرتبطًا بعملية سلام شامل"، مؤكدًا أنها: "إجراء تفاوضي تقني مرتبط بمسائل وقف النار، ولا يحمل أي أبعاد سياسية أوسع".

في موازاة هذه المواقف، وفي إطار لعبة الخداع السياسي التي تحاول واشنطن و"تل أبيب" تمريرها تحت عناوين "التهدئة" و"الفرص الاقتصادية"، واكبت الماكينات السياسية والإعلامية الأميركية و"الإسرائيلية" الإعلان اللبناني بحملة ترويجية تتحدث عن "التعاون الاقتصادي". إذ سارع نتنياهو، قائلًا: "إن اجتماع، يوم أمس، شهد اتفاقًا على صياغة أفكار لتعزيز التعاون الاقتصادي بين لبنان و"إسرائيل" بعد نزع سلاح حزب الله".

في المحصلة، تبقى العبرة في الخطوة اللبنانية في ما إذا كانت "إسرائيل" ستقيم وزنًا لها، أم أنها ستمارس الخدعة من جديد، عبر تشبثها بمطلب سحب سلاح المقاومة بالكامل والسعي نحو التطبيع كي تنسحب من المناطق التي احتلتها وتوقف اعتداءاتها؟.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد