اوراق خاصة

حلم ترامب بتهجير الغزاويين هل "يختفي" أمام صمودهم وصعوبات عديدة؟ 

post-img

علي عبادي (كاتب وباحث لبناني في الشؤون السياسية)

أثارت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن سعي بلاده لتملّك قطاع غزة وترحيل أهله، بصورة دائمة إلى بلدان أخرى، أسئلة كثيرة وتكهنات عن دوافعها، في ما عدّ محاولة من الإدارة الأميركية لتخفيف العبء عن كاهل حكومة الكيان الصهيوني التي انخرطت، بدعم أميركي، في حرب محمومة على غزة على مدى 15 شهرًا، من دون أن تتمكّن من حسمها عسكريًا.

يشكك كثيرون، في الولايات المتحدة الأميركية وخارجها، في جدية تصريحات ترامب، لكنهم لا يستبعدون وجود مخطط ما لتهجير الفلسطينيين، وهو مخطط إسرائيلي قديم طُرح في خمسينيات القرن الماضي، وما يزال يُرمى في مساحات النقاش الإسرائيلية بهدف التخلص من العبء الديموغرافي الفلسطيني وأثقاله على أمن الاحتلال ومشاريع التوسع الاستيطاني. لهذا كثّف العدو ضغوطه من أجل تهجير سكان القطاع، خلال الحرب العدوانية الأخيرة، لكنه لم يتمكّن من تحقيق نتائج يشتهيها، في ضوء صمود أهالي غزة وعودتهم الكثيفة إلى شمالي القطاع بالرغم من الدمار الذي حلّ في بيوتهم والبنى التحتية.

مبدئيًا، يمكن القول إن فكرة تهجير سكان قطاع غزة هي انقلاب على مقولة "حلّ الدولتين" التي نادت بها الإدارات الاميركية المتعاقبة، ثم هشّمتها إدارة ترامب من خلال طرح خطة "صفقة القرن" التي تضمنُ استمرار السيطرة الإسرائيلية على معظم الضفة الغربية وضمّ الكتل الاستيطانية في الضفة إلى كيان الاحتلال وبقاء مدينة القدس موحدة تحت سيادة العدو.

 كما أن طرح ترامب يخالف تعهداته بعدم التورط في حروب المنطقة مرة أخرى وإعطاء الأولوية لـ "أمريكا أولًا". ومن الصعب تخيّل كيف "ستستولي الولايات المتحدة على قطاع غزة"، وفقًا لما صدر عنه، من دون وضع الجيش الأميركي على الأرض، وهو ما يمكن أن يصطدم بمقاومة فلسطينية أثبت أنها عصيّة على جيش كبير له تاريخ وخبرة في القطاع مثل الجيش الإسرائيلي.

أهداف محتملة

يُعتقد أن هناك أهدافًا محتملة وراء إثارة هذا المخطط في هذا التوقيت، يُذكر من بينها:

  1. تشتيت الانتباه عن مساعي فريق ترامب للسيطرة على مفاصل الحكومة الأميركية وتطهيرها من المعارضين لسلطته، أو كما عبّر السناتور الديمقراطي كريس مورفي "صرف انتباه الجميع عن القصة الحقيقية المتمثلة بالمليارديرات الذين يستولون على الحكومة لسرقة الناس العاديين"، في إشارة ربما إلى الملياردير إيلون ماسك وأمثاله. وهذه العملية تتسبب بمعارضة واسعة داخل الجهاز الوظيفي الأميركي، ولها تداعيات داخلية عدة. ويُتقن فريق ترامب رمي قضايا عدة دفعة واحدة من أجل إلهاء الرأي العام، ومعارضيه بالخصوص.   
  2. تحويل الانتباه عن المأزق الإسرائيلي في غزة، بعدما انتهت الحرب - أو كادت- إلى فشل في تحقيق الأهداف المعلنة، لاسيما القضاء على حماس عسكريًا، حيث خرج مقاتلوها بصورة أحرجت الاحتلال بكل أجهزته وأحزابه.
  3. إنقاذ ائتلاف نتنياهو من الانهيار، بعد وقف إطلاق النار في غزة، حيث تعهد رئيس وزراء الاحتلال لوزير ماليته بتسلئيل سموتريتش بالعودة إلى الحرب بعد انقضاء المرحلة الأولى من الاتفاق، بينما خرج وزير الأمن القومي بن غفير من الحكومة. وأحدثت تصريحات ترامب حماسًا بين حلفاء نتنياهو، وصدى إيجابيًا بين خصومه، مثل يائير لبيد وبني غانتس. وأبدى بن غفير استعداده للعودة إلى الحكومة، في ضوء تصريحات الرئيس الأميركي. وقد تحقَّقَ وقف النار بفعل ضغوط من إدارة ترامب لارتباط هذه الخطوة برؤية أوسع تتعلق بتطبيع العلاقات بين "إسرائيل" والسعودية. ومن خلال مشروع تهجير سكان غزة، يسعى ترامب لتدارك تداعيات وقف النار على حليفه نتنياهو.
  4. تشكيل ورقة تفاوضية يهدف ترامب من خلالها الحصول على تنازلات من الطرف الفلسطيني؛ فهو يحاول تشديد الضغط عى حركة حماس لدفعها إلى التنازل عن السلطة في غزة ما يشكل تحقيقًا لهدف من أهداف "إسرائيل" المعلنة.
  5. امتلاك ورقة ضغط إضافية لتسريع تطبيع العلاقات بين السعودية و"إسرائيل" والتوقف عن المطالبة بإقامة دولة فلسطينية. فإثارة الجلبة بشأن مصير سكان غزة يمكن أن يدفع هذا الموضوع إلى طليعة جدول الأعمال العربي والدولي، ما قد يكون مسوّغًا - من وجهة نظر الإدارة الأميركية- لتأخير مطلب إقامة الدولة الفلسطينية لصالح بقاء الفلسطينيين في أرضهم في هذه المرحلة. ويلاحَظ أن الجانب الإسرائيلي يعمل من جهته على تعزيز ورقة أخرى تتمثل في مشروع تهجير أهالي الضفة الغربية وضم الضفة الى الكيان. ومن شأن تجميد هذه المشاريع أن يوفر غطاء لخطوة التطبيع السعودية المحتملة التي كثر الحديث عنها. ويذكّر هذا بما حصل مع دولة الإمارات العربية التي سوّغت التطبيع مع العدو في العام 2020 بموافقة "إسرائيل" على تجميد ضم أجزاء من الضفة الغربية. ويبقى الفيصل هنا في ما إذا كانت الرياض ستتمسك بمطلب إقامة دولة فلسطينية، وليس مجرد الحصول على وعد بإقامتها.
  6. العمل لإرضاء نتنياهو واستيعابه، بينما يحاول الأخير تخريب مساعي ترامب لإبرام اتفاق مع إيران في برنامجها النووي.
  7. إقامة مشاريع تجارية أميركية مربحة في قطاع غزة الذي يتمتع بشواطئ مطلة على البحر المتوسط وتقع قبالة سواحله حقولُ غاز. وكان صهر ترامب جاريد كوشنر قد صرح، في آذار/ مارس الماضي، بأن "ممتلكات غزة المطلة على الواجهة البحرية قد تكون ذات قيمة كبيرة"، واقترح "إخراج الناس ثم تنظيفها". وردّد ترامب، يوم الثلاثاء الماضي، تعليقات كوشنر بقوله إن غزة قد تكون "ريفييرا الشرق الأوسط".
  8. إقامة قاعدة عسكرية أميركية على شواطئ غزة، في وقت يجري الحديث عن انسحاب محتمل للقوات الأميركية من سوريا.  
  9. ترك إرث سياسي وبصمة شخصية. ويقال هنا إن ترامب يتطلع إلى الحصول على جائزة نوبل للسلام، على غرار ما حدث للرئيس الديمقراطي الأسبق باراك اوباما.

موانع

هذا؛ وتواجه خطة ترامب بشأن تهجير أهالي قطاع غزة معوقات كثيرة، وتوقع مستشارون للرئيس الأميركي – بحسب صحيفة نيويورك تايمز- أن تختفي فكرة تملّك غزة بعد أن يتضح لترامب أنها غير قابلة للتطبيق. وأنكر مسؤولون أميركيون وجود مناقشات للفكرة في الخارجية أو البنتاغون، وقالوا إنهم يحاولون معرفة من أين جاءت. مع ذلك، سيبقى ترامب يردد هذه الفكرة لجرّ الآخرين الى موقع دفاعي والتخوف من أن تتحول إلى فكرة حقيقية بشكل أو آخر، وقد صرح مجددًا بأن قطاع غزة ستسلَّمه "إسرائيل" إلى الولايات المتحدة عند انتهاء القتال، مستبعدًا الحاجة إلى نشر قوات أميركية في غزة، محاولًا طمأنة الأميركيين من هذه الناحية.

بناء على ما تقدم، توجد عوامل عدة تصعّب الأمور على الطرح الأميركي:

- وجود مخاوف في الولايات المتحدة من التورط في حرب جديدة مباشرة في الشرق الأوسط. وقد تعهد ترامب في الحملة الانتخابية بإنهاء حرب غزة، وهذا لا ينسجم مع انخراطٍ قد يتطور تدريجيًا إلى نشر جنود أميركيين في القطاع وإلى مواجهة الجنود الأميركيين مخاطر على حياتهم. وقد عبّر عن ذلك السناتور الجمهوري راند بول بتغريدة على منصة إكس قائلًا: "اعتقدتُ أننا صوّتنا لأميركا أولًا. لا مصلحة لنا في التفكير في احتلال آخر قد يدمر ثرواتنا ويسفك دماء جنودنا". 

- الصمود البطولي لأهل غزة ورفضهم الانصياع، على مدار 15 شهرًا، لضغوط الاحتلال الرهيبة بالخروج من غزة بحرًا أو برًا. وأكدوا ذلك مجددًا مع عودة سكان شمال القطاع إلى مناطقهم في أول لحظة أتيح لهم فيها ذلك.

- وجود مناخ اعتراض عربي واسع، حكوميًا وشعبيًا، على مقترح تهجير الفلسطينيين، خاصة إلى مصر والأردن، لما ينطوي عليه من تصفية لحقوق الشعب الفلسطيني في وطنه وانعكاسات ذلك على الأوضاع الداخلية لهذه الدول، ولاسيما الأردن.

- وجود تزاحم بين رغبة ترامب والرغبة الإسرائيلية في السيطرة على غزة. فنتنياهو لم يؤيد صراحة خطة ترامب، وإن أشاد بـ"استعداد ترامب لاختراق التفكير التقليدي".

لهذا وذاك، وربما لعوامل أخرى في ظروف المنطقة المعقدة، يحاول ترامب توريط شركاء آخرين، وتحديدًا دول عربية غنية، إضافة الى مصر والأردن. وقد صدرت عن هذه البلدان مواقف عبّرت عن رفض صريح لطرح ترامب، فبرأيها مثل هذه الخطوة من شأنها أن "تهدد استقرار المنطقة، وتخاطر بتوسيع الصراع". وأكدت الخارجية المصرية، في بيان لها، على الحاجة إلى إعادة بناء غزة من دون إخراج الفلسطينيين من القطاع. من جهتها، أكدت السعودية أن دعوتها الدائمة إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة كانت "موقفًا ثابتًا لا يتزعزع".

في ضوء ذلك كله، قد يكون ما صدر عن ترامب مجرد محاولة لحفظ ماء وجه "إسرائيل" وانتشالها من مأزقها الداخلي في "اليوم التالي" بعد العدوان الضروس على غزة. لكن ذلك لا يلغي أن الرئيس الأميركي ليس من النوع الذي يتخلى عن مشاريعه بسهولة، وهو قد يضمر رغبة في خوض مغامرة جديدة تستكمل ما بدأه من "صفقة القرن"، بهدف دفن القضية الفلسطينية، وإضافة صفقات تجارية على ظهر شعوب المنطقة.

كما لعل من المفيد الإشارة إلى أن ترامب، في ولايته الثانية، يحيط نفسه بمجموعة من الأغرار الذين لا يفقهون الكثير في السياسة الخارجية. إلا أن تحقيق أي نجاح بقدر، ولو محدود لمخطط تهجير الفلسطينيين، سواء من غزة أم الضفة، مرهون جزئيًا بتسهيلات تقدّمها دول في المنطقة عمد ترامب في ولايته الأولى إلى اجتذاب بعضها إلى مسيرة التطبيع من خلال عقد صفقات تتناول مكاسب جزئية لها.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد