اوراق مختارة

عن أي سيادة تتحدثون..!؟

post-img

موقع "06 نيوز"

بات واضحًا أنّ فريقًا من اللبنانيين، ممن يطلقون على أنفسهم "السياديون"، قد بدأوا يمارسون هذه الأيام أعلى درجات النّكد والكيد السياسي. تارة تراهم يزايدون على أبناء بلدهم من أهل المقاومة بأنهم أكثر وطنية منهم، ويعرفون كيف يحافظون على سيادة الوطن وكرامته، وتارة تراهم يوهمون الجميع أنهم أسياد القوم وأكثرهم دراية بالحكم وإدارة السلطة، وحدهم يعرفون كيف يقودون لبنان نحو برّ الأمان..!.

لكن هذا الصّنف من أبناء الوطن، ممن باتوا يعرفون بـ"اتباع الوصاية" أو أدوات المشروع الأميركي في لبنان، هم في الحقيقة بعيدون كل البُعد عن صون السيادة الوطنية وإدارة الحكم. وهذا ما تبيّن بالفعل خلال المرحلة التي أعقبت تشكيل حكومة الرئيس نواف سلام، إذ هم يعانون انفصامًا في المسؤولية لا مثيل له في تاريخ لبنان السياسي.

الأدهى من ذلك، أن "أعداء المقاومة" هؤلاء، أوهموا الجَمعَ أنهم أصبحوا الأكثرية، وتماشوا مع أكاذيب أسيادهم الأميركيين والخليجيين بأنّ المقاومة هُزمت وانتهت وجمهورها انفضّ من حولها، فأخذوا يتصرفون على هذا الأساس.

وسبب التّوهم هذا يعود إلى أمرين: الأول؛ أنهم تسللوا الى السلطة بعدما فرضهم أسيادهم على اللبنانيين بعد حدوث متغيرات محلية وإقليمية ساعدتهم في ذلك.

والثاني؛ أن أبواقهم الإعلامية نَشُطت في الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية وعلى الشاشات والإذاعات في التحريض على المقاومة وبيئتها من جهة، ومن جهة ثانية في السكوت عن اعتداءات العدو الإسرائيلي اليومية والتماهي معها.

لكن ما يثبت حقيقة عيشهم في الوهم، أنه خلال تشييع سيد شهداء الأمة سماحة السيد حسن نصرالله التفّ غالبية اللبنانيين حول نعشه الشريف، ما يؤكد أن جمهور المقاومة ما يزال يشكل السواد الأعظم من اللبنانيين.
إذ إن معظم اللبنانيين يرفضون الاحتلال الإسرائيلي لأرضهم وفكرة التطبيع مع العدو، ولا يترددون تاليًا في تأييد خيار المقاومة مهما بلغت التضحيات.

الأنكى من ذلك كله؛ أن "اتباع الوصاية"، ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كلّ ريح، إذ عابوا على المقاومة علاقتها بإيران ودعمها لها عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا في مواجهة العدو الإسرائيلي المتغطرس، ولم يعيبوا على أنفسهم كيف أصبحوا أداة للمشروع الأميركي - الصهيوني المتربص بلبنان شرًا، تحركهما السفيرة الأميركية في عوكر ليزا جونسون ومبعوثة البيت الأبيض إلى غرب آسيا (الشرق الأوسط) مورغان أورتاغوس.

وهم أنفسهم كانوا في غالبيتهم من أكثر الناس تزلفًا لحكام سوريا أيام الرئيسين حافظ وبشار الأسد، هذا في الوقت الذي كان قادة المقاومة يحظون حينها بكل المكانة والتقدير عند حكام الشام.

أيًا تكن الأمور، هناك مواقف كثيرة حصلت، في الآونة الأخيرة، مع هذه الفئة من الناس مُخزية ومُخجلة لا تليق بأهل الحكم ولا بأهل السيادة كما يدّعون.

إذ مع زيارة أورتاغوس الأولى الى لبنان، في السادس من شهر شباط الفائت، ومن على منبر قصر بعبدا، أطلقت عبارتها الشهيرة "إسرائيل هزمت حزب الله ونحن ممتنون لها"، لم يتجرأ أحد أن يخبرها أن "إسرائيل" هذه قتلت آلاف الأطفال والنساء في فلسطين ولبنان ودمّرت البيوت على رأس ساكينيها.

كما أن أورتاغوس، في مناسبات كثيرة، تهجّمت على المقاومة وأهلها، ولم تأتِ على ذكر اعتداءات الكيان الصهيوني وجرفه للقرى الحدودية وغاراته اليومية على المناطق الآمنة، بل سوغت له أفعاله.

الأكثر استغرابًا في الأمر، أن "أتباع الوصاية" في بيروت، لم يعودوا يعملون بتوجيهات السفارة الأميركية فحسب، بل أصبحوا يتحركون كأداة تهويل وتحريض وإلغاء، هم وآلتهم الإعلامية. إذ باتوا اليوم في مشهد انبطاحي أمام الموفدين الغربيين، لم يألفه اللبنانيون من قبل، لا مراعاة عندهم لأقل اللياقات السياسية، يسوّقون لإملاءات أسيادهم من دون مداراة لإخوانهم في الوطن من أهل المقاومة ممن قدموا أولادهم وأرزاقهم دفاعًا عن كرامة لبنان وسيادته. 

في مشهد مُخزي ومُخجل آخر، وفي مخالفة لكل اللياقات السياسية والأعراف الدبلوماسية، لم تبحث أورتاغوس في زيارتها الثانية إلى لبنان عددًا من الملفات مع رئيس الحكومة نواف سلام كونه المعني المباشر بها ممثلًا للسلطة التنفيذية؛ بل تجاوزته وانتهكت الخصوصية الحكومية والسيادة اللبنانية إلى ثمانية وزراء قامت باستدعائهم إلى مقر السفارة الأميركية، بعضهم بشكل فردي وبعضهم الآخر بشكل ثنائي ومعهم حاكم مصرف لبنان.

هذا السلوك الذي اعتمدته أورتاغوس لجهة دعوتها وزراء إلى السفارة وتجاهلها آخرين وتجاوزها الفاضح لسلام الذي كان يمكن إبلاغه بالتوجهات الأميركية، وهو بدوره يضع الوزراء المعنيين بأجوائها أو أن يكون اجتماع الوزراء الثمانية بحضوره ورئاسته وفي السراي الحكومي للحفاظ على ماء الوجه، يدل على مدى الوقاحة والإذلال التي وصلت إليها الإدارة الأميركية في التعاطي مع أهل السلطة في لبنان، والذين هم بدورهم سارعوا إلى عوكر غير آبيهين بمكانتهم وقيمتهم أمام شعبهم.

هذا ما يوحي أن الرئيس سلام ومعظم وزرائه "السياديين" جاؤوا بأجندة أميركية حان وقت تنفيذ بعض بنودها، تحت عنوان "نفّذ ثم اعترض". وما يؤكد ذلك أنه على الرغم من كل الاعتداءات الإسرائيلية التي تلاحق اللبنانيين يوميًا لم يتجرّأ أيٌ من هؤلاء على استنكار ما يحصل أو حتى رفع شكوى لمجلس الأمن الدولي، وذهب بعضهم لتسويغ جرائم العدو وتحميل حزب الله المسؤولية؛ لأنه لم يسلم سلاحه للدولة.
  
إذًا، كل ذلك يظهر أن السلطة في لبنان عاجزة عن حماية أراضيها وأهلها وصون سيادة الوطن من "إسرائيل" وأميركا، ويثبت أن قوّة المقاومة وحدها تستطيع ردع العدو وحماية السيادة، فمن غير الممكن أن يحقّق الانبطاح للأميركي أيّ نوع من المكاسب ولو السطحية، وحتمًا هو طريق محفوف بالذلّ وبالمهانة.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد