علي عواد/ جريدة الأخبار
في محاولتها لإعادة أميركا إلى العصر الذهبي، قررت إدارة الرئيس دونالد ترامب توجيه عدائها نحو طلاب الجامعات الدوليين، أولئك الذين جريمتهم الوحيدة أنهم جاؤوا من بلدان يُنشد فيها الأذان، وأسماء تحوي أحرف العين والحاء.
في «حملة التطهير الأكاديمي» هذه، لم يعد مطلوبًا أن تكون ناشطًا في حقوق الفلسطينيين، أو حتى أن تنشر رأيًا على «إكس» لتثير حفيظة إدارة الهجرة.
لا، يكفي فقط أن تكون من بلد فيه «مسلمون» أو أن لون بشرتك لا يتناغم مع مفاهيم ترامب للجمال العرقي، لتصبح مرشحًا مثاليًا للطرد، وربما النفي إلى معسكرات الاعتقال في ولاية لويزيانا.
في مشهد يُشبه حملات التطهير العرقي، يؤكد عدد من المحامين المتخصّصين في الهجرة لموقع «ذي انترسبت» أنّ الغالبية العظمى من الطلاب الذين استهدفوا بالطرد ينتمون إلى دول ذات غالبية مسلمة، أو من آسيا وأفريقيا. كلهم في مرمى نيران برنامج «اصطد واطرد»، التسمية الرسمية التي أطلقتها إدارة ترامب على سياستها الجديدة.
في كاليفورنيا، رفعت دعاوى قانونية تتهم الحكومة الفيدرالية بتبني سياسة طرد تستهدف فئات محددة بناءً على العرق أو الدين، وهو سبب انتقال سياسة «حظر السفر» من المطارات إلى الجامعات. وزير الخارجية ماركو روبيو، أكد أواخر آذار (مارس) الماضي أنّ أكثر من 300 تأشيرة سُحبت من النظام، وأن الرقم في تصاعد يومي.
أما المحامون، فيقدّرون أنّ العدد الحقيقي قد بلغ الآلاف في أيام قليلة. المحاكم ممتلئة، والملفات تتراكم، والمحامون بالكاد يجدون الوقت لقراءة الأسماء، ناهيكم بالدفاع عنهم. تُمنع تأشيرات الطلاب بقرارات إدارية غامضة، مشفوعة باتهامات فضفاضة مثل «تهديد السياسة الخارجية الأميركية». ولا يهم إن كانت «المخالفة» مجرد تجاوز إشارة مرور أو شرب كأس في حفلة، طالما أنّ لون بشرتك خطأ، أو اسمك غريب بالنسبة إليهم، فذلك كافٍ لتُعامل كخطر على الأمن القومي.
واقع الحال صعب فعلًا. مسرحية عبثية وفوبيا تجاه كل ما هو غير غربي وغير مطيع. طلاب بعضهم أمضى سنوات في الدراسة، نالوا شهادات البكالوريوس والماجستير، وفوقها منحًا للدكتوراه، يجدون أنفسهم فجأة بلا وضع قانوني، بلا دخل، وبخوف دائم من القبض عليهم ونفيهم إلى ولايات نائية، فقط لأنّ نظامًا رقميًا قرر ذلك.
القصة هنا أبعد من السياسات. هي نظام عدالة مقلوب، يصبح فيه الشك دليلًا، والاختلاف جريمةً، والأصل العرقي تهمةً تستوجب الطرد. حكومة ترامب لم تعد بحاجة إلى مذكرات قضائية، أو حتى حجج مقنعة. كل ما تحتاجه هو أن تراك «غير ملائم»، و«غير ملائم» هنا عبارة تتأرجح وفقًا للمزاج السياسي.
الأدهى أن هذه الهجمات لم تقتصر على الجامعات المعروفة بنشاطها السياسي، إذ طالت طلابًا في مؤسسات علمية مثل «دارتموث» و«كولورادو ستيت». طلاب لم يرفعوا شعارًا ولا شاركوا في وقفة احتجاجية. بعضهم بالكاد يعرف الفرق بين غزة والضفة، لكن ذلك لم يشفع لهم أمام آلة الاستهداف الجماعي.
مع كل هذا، لا صوت للبيت الأبيض سوى الصمت. لا ردود، لا مبررات، لا محاسبة. فقط ماكينة طرد تعمل بفعالية، تتغذى على خوف الطلاب، ودموع عائلاتهم، وارتباك الجامعات التي لا تعرف من سيكون التالي.
من الخطأ عدّ ما يحدث «تضييقًا على الهجرة»؛ فهو في الحقيقة نسخة واقعية من سياسات الحظر الخفي (Shadow Ban) التي تنتهجها منصات التواصل، لكنها موجهة ضد المسلمين وأكثر خبثًا، لأنها لا تُعلن عن نفسها صراحة، بل تتسلل تحت غطاء «الإجراءات الإدارية».
في أميركا ترامب، لا يكفي أن تكون ذكيًا، ولا أن تحترم القوانين، ولا أن تسهم في البحث العلمي. عليك أيضًا أن تكون أبيض، أو أن تُجيد التظاهر بذلك. اطْلِ نفسك إن استطعت...