فاتن الحاج (جريدة الأخبار)
عشرات من طلاب الدكتوراه في الجامعات الخاصة، تنتظر مناقشاتُ أطروحاتهم موافقةَ لجنة المعادلات في مديرية التعليم العالي في وزارة التربية على نشر بحثين لكل منهم في مجلة علمية دولية محكّمة ومفهرسة، كشرط لمناقشة الأطروحة.
إذ فوجئ الطلاب الذين نشروا أبحاثاً متعلقة بأطروحاتهم في مجلات محلية منذ عام 2022 بقرار صادر عن لجنة المعادلات، في أيلول الماضي، يشترط أن تكون المجلة التي نشروا فيها مفهرسة ضمن قاعدة بيانات عالمية «مرموقة»، استناداً إلى المادة 5 البند 9 من المرسوم 10068 بتاريخ 11/3/2013 (تنظيم ترخيص برامج الدكتوراه في مؤسسات التعليم العالي).
وفيما تؤكد مصادر الطلاب أن مديرية التعليم العالي اشترطت أن تكون المجلة مفهرسة ضمن القاعدة العالمية «سكوبس» حصراً، نفى المكلف متابعة شؤون إدارة المديرية العامة للتعليم العالي، مازن الخطيب، صحة ذلك، لافتاً إلى أن بعض الطلاب نشروا أبحاثهم في مجلات غير معروفة، ولكنها مفهرسة ضمن قواعد مثل «ايبسكو» أو «أي أس أي» العالمية المعروفة، وجرت الموافقة على النشر، «في حين أن هناك أبحاثاً منشورة في مجلات غير مفهرسة في أي قواعد بيانات»، منها «أوراق ثقافية» و«المعرفة» و«ريحان» و«الأمن» و«الحياة النيابية» وغيرها.
وفيما اختار بعض الطلاب في أحيان كثيرة المجلات انطلاقاً من أنها معتمدة لنشر أبحاث طلاب الجامعة اللبنانية، أوضح الخطيب أن لجنة المعادلات في الوزارة تعتمد أنظمة التعليم الخاص المختلفة تماماً عن أنظمة الجامعة اللبنانية، مشيراً إلى أن لجنة المعادلات السابقة عطّلت العمل بهذه المادة من المرسوم لسنوات، ولا سيما في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، و«قد أعدنا العمل بالمرسوم بصورة تدريجية، وندرس بدقة ما إذا كانت المجلة مفهرسة بالدرجة الأولى، ويهمنا أن يكون الطالب باحثاً أول، ولا نلتفت إلى الاعتبارات الأخرى مثل معامل التأثير والاستشهادات وغيرها لأنها غير مذكورة في المرسوم».
غير أن طلاباً في الجامعة اليسوعية وجامعات أخرى قدموا طلباتهم إلى المديرية بين عامي 2023 و2024 لم يتلقّوا أي جواب حتى الآن، علماً بأن المجلات التي نشروا فيها صادرة عن جهة علمية مثل الجامعة اللبنانية، ومفهرسة في أكثر من تصنيف، ولديها محكّمون.
ويعرب الطلاب عن اعتقادهم بأن هناك «قطبة مخفية» بين إدارات الجامعات والوزارة، لا سيما أن الجامعات لم تعد تتابع ملفات طلابها كما كانت تفعل سابقاً، ما يثير خشية لدى الطلاب من ذهاب جهود سنوات والأموال التي دفعوها لنيل الشهادة العليا أدراج الرياح.
ولا يمانع الطلاب تطبيق القوانين المتعلقة بنشر البحوث في مجلات لبنانيّة، والتعاون مع الجهات المعنيّة بهذا الخصوص، إلا أنهم لفتوا إلى أن لجنة المعادلات لم تُخطرهم بالقرار قبل صدوره، ولم يعلم الباحثون الأساتذة والطلاب به، علماً أنهم نشروا أبحاثهم قبل هذا التاريخ. فمن المسؤول عن تضليل الطلاب؟
يقول الخطيب إن لدى الجامعات جهلاً في هذا المجال، إذ يفترض أن يلفت الأستاذ المشرف على الأطروحة الطلاب إلى معيار أن تكون المجلة مفهرسة ومحكّمة، معرباً عن اعتقاده بأن «التشدد في تطبيق المرسوم سيخلق حركة وعي في صفوف الطلاب والأساتذة، وبضع أبحاث الدكتوراه على السكة الصحيحة».
المشكلة تكمن في أن الجميع فوجئوا، على ما قالت المديرة المسؤولة في مجلة «أوراق ثقافيّة» خديجة شهاب، بأن تشترط وزارة التربية أن تكون المجلة مسجلة في تصنيف «سكوبس» الذي «لا قدرة للمجلة والطلاب على الالتزام بمعاييره الماليّة، إذ إن عمليّة النشر فيه مكلفة في الوقت والمال، وتبدأ كلفة نشر البحث الواحد من 800 دولار»، أضف إلى ذلك أنّ الطالب يتواصل مع المجلات خارج لبنان من دون أن يكون قادراً على التأكد من موثوقيّتها، إذ قد يتعرض لعمليات الاحتيال (هناك شواهد صوتيّة على ذلك) ما يجعلنا نشكّ في مصداقيّة المجلات التي حصلت على هذا التصنيف، خصوصاً أنها توافق على نشر الأبحاث خلال عشرة أيام شرط أن يدفع الباحث المبلغ المرقوم».
ولفتت إلى أن «أوراق ثقافيّة» حصلت منذ أكثر من عام على تصنيف «أي أس أي»، و«يخضع البحث لديها للاستدلال، وتركن إلى النسبة المعتمدة على مستوى الجامعات الخاصة، ويخضع البحث للتحكيم العلمي كل في اختصاصه، وتقدمنا أخيراً بطلب الحصول على «كلاريفيت» و»آبسكو»، فما الذي يمنع لجنة المعادلات في وزارة التربية من اعتمادها؟».
ودعت شهاب إلى معادلة الشهادات للباحثين الذين تقدموا بطلب المعادلة قبل صدور قرار وزارة التربية، أسوة بزملائهم الذين عادلوا في الحقبة نفسها، رأفة بهم وبأوضاعهم، على أن يكون للوزارة مندوب في كل مجلة يشرف على عملية النشر ودقتها.
في المقابل، يؤكد رئيس رابطة جامعات لبنان، رئيس الجامعة اليسوعية، سليم دكاش، أن الجامعة «تتقيد بتطبيق المرسوم 10068، والمعايير التي يتضمنها من أجل المحافظة على مستوى علمي ورفيع للدكتوراه»، لافتاً إلى أن نائب الرئيس للأبحاث في الجامعة يهتم بإرشاد الطلاب في كل مدارس الدكتوراه لاختيار مجلات مفهرسة ومحكمة.
وأشار إلى أن التساهل السابق أدى إلى أن نشر نحو 4 طلاب في مجلات غير مفهرسة، «ونعمل على إيجاد الحلول لهم عبر البحث عن مجلات أخرى محكّمة ليعيدوا نشر أبحاثهم فيها في أسرع وقت».
إلا أن هذا التوجه يلاقي اعتراضاً من الطلاب لكون الأبحاث التي ينشرونها جزءاً من أطروحاتهم، ولا يستطيعون أن ينشروا أجزاء كبيرة سبق أن نشروها قبل ذلك في مجلات أخرى.