اوراق مختارة

المدرسة الرسمية... بين حقوق المعلم وتسويف الدولة

post-img

مصطفى عواضة (موقع العهد الإخباري)

في بلد تحوّل فيه الحق إلى امتياز، وأصبحت فيه المطالبة بالحد الأدنى من الكرامة ترفًا، تقف المدرسة الرسمية اليوم على مفترق خطير: فإما أن تنتصر إرادة أهلها، وإما أن يُفتح الباب واسعًا أمام مشروع تهميشها وإنهائها بالكامل.

الأساتذة في هذه المدارس، ما عادوا يملكون ترف الصمت. فمنذ أشهر، وهم يطالبون بمستحقاتهم المتأخرة، لا طلبًا للزيادة، ولا لهدرٍ مالي، بل لأبسط مقومات البقاء. وها هم اليوم، يُواجهون التسويف الإداري، والتناقضات الوزارية.

مرسوم... عالق بين الوزارات
أمين سر رابطة التعليم الثانوي حيدر خليفة أكد في تصريح لموقع العهد الإخباري أن المرسوم الخاص بالمستحقات، مرّ بمراحله القانونية والدستورية. وصل إلى مجلس الوزراء، وتجاوز عقبة مجلس الشورى، وكان من المفترض أن يُنفّذ فورًا، لكن الواقع يقول غير ذلك. 

وأضاف خليفة: "أن وزارة المالية تصرّ على ضرورة نشره في الجريدة الرسمية، بينما يؤكد بعض القانونيين أن لا داعي لهذا النشر من أساسه، باعتبار أن المرسوم دخل حيّز التنفيذ لحظة توقيعه".

وهنا، تتبدّى الذهنية اللبنانية المعتادة بحسب خليفة تفسيرات متناقضة، وصراع صلاحيات، وحقوق المواطنين تُركن على رف الخلافات السياسية والإدارية. أما الخاسر الأكبر؟ المعلم أولًا، والتلميذ ثانيًا، والمدرسة الرسمية ثالثًا.

الإضراب: كسر الصمت لا كسر الصف
وأشار أمين سر الرابطة إلى أن الإضراب الذي أعلنه الأساتذة ليس هدفًا في ذاته. بل هو صرخة كرامة، وردٌ واضح على كل محاولات التهميش، فالمعلم لم يعد قادرًا على الاستمرار بدخل لا يساوي كلفة النقل، ولا يستطيع أن يعلّم في ظل الغموض والوعود المؤجلة.

والمفارقة أن هذا الإضراب وفق خليفة يأتي في وقت شديد الحساسية: بلد خرج لتوّه من عدوان استمر أكثر من 66 يومًا، مدارس في الجنوب لم تفتح أبوابها إلا في كانون الثاني، وتلامذة يعيشون بين الرعب والحرمان. ورغم ذلك، يُفرض عليهم مواد واختبارات كأنّ لا حرب وقعت، ولا تعليم تعطّل، ولا بلد يُنهك.

المدرسة الرسمية ليست صدقة... بل حق وركيزة
واستطرد خليفة حديثه بالقول في كل خطاب، نسمع تمجيدًا للمدرسة الرسمية، لكن حين يحين وقت الدعم، تختفي الدولة، وتظهر النيات الحقيقية، وكأن هناك من يريد جرّ الأهالي دفعًا نحو التعليم الخاص، بإضعاف المدرسة الرسمية، وتفريغها من طاقمها، ثم القول إنها لم تعد صالحة.

ورأى أن الواقع يقول غير ذلك فهذه المدرسة خرّجت القضاة، والمهندسين، والمقاومين، وحملت لبنان في أقسى الظروف. واليوم، يُراد لها أن تموت بهدوء... لكن أهلها يرفضون.

لا عودة قبل الحقوق... ولا تعليم في الذلّ
ولفت إلى أنه  لا عودة إلى الصفوف قبل إنصافهم. وفي حال صدور المرسوم بالجريدة الرسمية، فإن التواصل مع الوزارات المعنية سيُستأنف فورًا لضمان ترتيب جداول الصرف. أما في حال التأجيل، فإن التحركات ستتصاعد، لا حبًا بالتصعيد، بل إصرارًا على ألا يكون المعلّم هو الحلقة الأضعف في سلسلة الانهيار.

وشدد خليفة في ختام حديثه لموقعنا على أن المدرسة الرسمية ليست مجرد صفوف وجدران. هي ذاكرة وطنية، ومساحة مقاومة، وملاذ للفقراء والمقاومين. ومن يظن أن بإمكانه إخمادها بسيف الإهمال، فهو لا يعرف تاريخها، ولا يقرأ الواقع جيدًا.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد