غسان ريفي (سفير الشمال)
تتّجه الأنظار اليوم إلى عين التينة، حيث اللقاء المرتقب والمحوري بين الرئيس نبيه بري والمبعوث الأميركي توم برّاك الذي يأتي إلى لبنان مثقلا بخيبة الملف السوري ولا سيما السويداء التي تكاد تخرج عن كلّ سيطرة علّه يستطيع تحقيق ما عجز عن تحقيقه في سورية.
يبدو واضحًا أن ثمة هوّة سحيقة بين منطق باراك وبين الواقع اللبناني، حيث يُمعن في الإكثار من الإنشائيات والأدب والشعر والحديث عن لبنان الذي يمكن أن يكون عظيما ومحور الحركة الاقتصادية في المنطقة، وفي الوقت نفسه ينفض يده من أي التزام أميركي تجاه "إسرائيل" التي بالرغم من زيارته أمس لم توقف اعتداءاتها حيث ارتقى شهيدان نتيجة الغارات التي شنتها في أكثر من منطقة.
لم يُقنع باراك أحدا بأن أميركا لا تستطيع إجبار "إسرائيل" على شيء، خصوصًا أنها أجبرتها على وقف العدوان على إيران التي رسمت معادلة عسكرية وتوازنا في المنطقة، كما دفعت "إسرائيل" إلى وقف اعتداءاتها على سورية بعد قصفها هيئة الأركان العامة ووزارة الدفاع يوم الأربعاء المقبل، وكذلك أجبرت العدوّ على وقف الحرب على لبنان في ٢٧ تشرين الثاني الفائت، بالرغم من الخروقات المستمرة، خصوصًا أن باراك قال في أكثر من تصريح أن أميركا تريد أن تمارس نفوذها لتفعيل وقف إطلاق النار في لبنان وحصر السلاح بيد الدولة.
إذًا، هو تناقض أميركي واضح إذا لم يكن تخبطًا، حيث عبر باراك عن إعجابه بالرد اللبناني الأولي معتبرا أنه رائع ويمكن البناء عليه، ثمّ بالغ في تهديد لبنان وصولًا إلى إلحاقه ببلاد الشام وتلزيمه ضمنا إلى سورية، ثمّ جاء بالأمس ليؤكد أننا أتينا لنساعد ولنشجع على الحوار بين اللبنانيين وأن السلاح هو شأن لبناني داخلي، وذلك في كلام دبلوماسي يفترض بالرئيس بري أن يلاقيه بدبلوماسية مماثلة، وهو بما يملك من حكمة وحنكة قادر على التفاوض لسنوات عدة ولعل مفاوضات الترسيم البحري أكبر مثال على ذلك، خصوصًا في ظل النموذج السوري الحالي المتفلت من كلّ الضوابط، فكيف بقضية شائكة كالسلاح الذي يعتبر البعض أنه في ظل الاعتداءات "الإسرائيلية" المستمرة ومشهد السويداء يعتبر تسليمه مجازفة كبرى أو أشبه بالانتحار.
وبغضّ النظر عن الحديث حول المهل الزمنية والخطوات المتلاحقة، يُفترض بالرئيس بري أن يجدد التأكيد أمام باراك التزام لبنان بالقرارات الدولية وباتفاق وقف إطلاق النار الذي لم يخرقه لبنان ولم يطلق طلقة واحدة تجاه العدوّ الذي خرقه بالمقابل أكثر من أربعة آلاف مرة، وبضرورة حصرية السلاح بيد الدولة بعد حوار داخلي شرط أن تقدم أميركا إيجابية واحدة على الأقل يمكن البناء عليها، علما وباعتراف باراك نفسه أن الرد اللبناني يمكن البناء عليه.
لذلك، فإن بري قد يرفض كلام باراك حول عدم قدرة أميركا الضغط على "إسرائيل"، خصوصًا أن أي لبناني لديه ذرة من السيادة والوطنية لا يقبل باستمرار الغطرسة الصهيونية في لبنان، ويرفض رفضا قاطعا “سلام القوّة” الذي يتشدق به نتنياهو بدعم أميركي منقطع النظير، وبالتالي لا يمكن للبنان أن يتخلى عن سلاحه وعن كلّ عناصر قوته إذا لم يكن هناك ضمانات أميركية وغربية مؤكدة بأن تلتزم "إسرائيل" بوقف إطلاق النار وبالكف عن الاغتيالات وبالانسحاب من النقاط الخمس وإطلاق الأسرى وما دون ذلك هو مجرد جدال بيزنطي لا أفق له ولا جدوى منه.
تؤكد مصادر مواكبة أنه مخطئ من يظن أن ثمة تباين بين الرئيس بري وبين حزب الله، بل هناك انسجام تام وتناغم وتوافق كاملين وقد عبر الشيخ نعيم قاسم عن ذلك في خطابه الأخير، وبالتالي فإن كلّ ما يحكى هو من نسج خيال “الذباب الإلكتروني” الذي تغذيه تيارات سياسية معينة.
يمكن القول، إن أميركا وحتّى التمديد لقوات اليونيفل مع نهاية شهر آب المقبل ستحاول فرض وقائع محدّدة وممارسة كلّ أنواع الضغط على لبنان الذي لن يتمكّن من الامتثال لكل الشروط الأميركية إذا لم تتوفر الضمانات المطلوبة، فضلًا عن ملف الترسيم الذي ضربته الأحداث في سورية التي لم تتمكّن حتّى الآن من تحديد جغرافيتها الكاملة.