إيهاب شوقي/ كاتب مصري
ارتبطت ثيمة السلاح دومًا بالشرف والأمن والدفاع عن النفس والحرمة، ولم ينحصر إرتباطه قط بالعنف أو الإرهاب. هو ككل أداة أو وسيلة، له وجهان، إما وجه إيجابي ونافع، وإما وجه سلبي ومفسد في الأرض.. ولأن السلاح هو أهم الأدوات والوسائل، فارتبطت هذه الازدواجية بمصطلح السلاح، حيث توصف الأمور والأشياء بأنها "سلاح ذو حدين".
يعود تاريخ استخدام السلاح إلى بدء الخليقة، فقد اخترع البشر السلاح وامتلكوه بسبب الحاجة إلى الأمن والحماية من الوحوش الضارية، ولأسباب أخرى تتعلق قطعًا بالصيد وكذلك الإغارة والعدوان والنهب.
كما ارتبط السلاح بمفهوم الشرف والفروسية، في الدفاع عن النفس وحماية الممتلكات ومقاومة الغزاة. وهو ارتباط مشترك في جميع الحضارات. ولكن، في حضارات الشرق عمومًا، والحضارة العربية والإسلامية خصوصًا، اشتهرت بهذا الارتباط بين ثيمة السلاح ومفهومه القيمي، وربما بسبب منظومة القيم التي حكمت حتى العصور الجاهلية، والتي تختلف عن منظومة القيم الغربية. كما تعود الشهرة، أيضًا، بسبب تميز هذه الحضارة بالقدرة على التعبير اللغوي عبر القصائد والأشعار التي خلّدت هذه المفاهيم.
لقد جاءت الديانات السماوية لتبيح الدفاع عن النفس بمختلف الوسائل؛ على الرغم من دعوتها للسلم والعدل والمحبة، دعت إلى امتلاك وسائل الدفاع، وخاصة الإسلام الذي أمر المسلمين بإعداد وسائل القوة لردع المعتدين في إجراء دفاعي وقائي بهدف صيانة السلم، وليس بهدف الاقتتال، وهو ما انسحب على مفهوم الجهاد ونمطه الدفاعي القائم على مقاومة الغزاة وعلى التحرير واستعادة الحقوق.
اليوم، تطل علينا دعوات باسم الحداثة وترفع زورا لافتة الدولة وسيادة القانون لنزع سلاح المقاومات بذريعة حصر السلاح بيد الدولة. وهي دعوات مشبوهة تتجاهل أن الاستعمار هو أكبر تناقض مع الحداثة، وأن انتهاك الدول واحتلال الأراضي هو أكبر تناقض مع مفهوم الدولة والقائم في الأساس على سيادة هذه الدولة على أراضيها وحمايتها؛ أي أنه، وبكلام واضح، لا يحق لأي دولة أن تتحدث عن مفهوم الدولة الحديثة التي تمتلك القوة المسلّحة حصرًا في ظل وجود الرجعية القائمة على الاحتلال والهيمنة والتحكّم بالقرارات السيادية والتدخل في شؤون إدارة الدولة وهندسة نظامها السياسي واختيار نخبها وشخوصها الحاكمة.
كما لا يحق لأي دولة الحديث عن فوضى السلاح وعدم شرعية امتلاك قوى أو حركات المقاومة السلاح، في ظل عدوان متربص بها يريد احتلال أراضيها. ذلك؛ لأن عدم قدرة الدولة بقواتها المسلحة على تحرير الأرض يسقط سلطتها المعنوية، ويفقدها ركنًا أساسيًا من أركان الدولة في جميع تعريفات العلوم السياسية للدولة، وهو ركن السيادة.
كما اللافت أن الولايات المتحدة الأميركية، وهي صاحبة اللافتة الكبرى بحصر السلاح بيد الدول، هي أكبر دولة يحمل مدنيوها السلاح. إذ تشير التقديرات إلى أن المدنيين الأمريكيين يمتلكون 393 مليون سلاح ناري، وأن 35% إلى 42% من الأسر في الدولة لديها سلاح واحد على الأقل. وبذلك تمتلك أكبر رقم تقديري للأسلحة النارية لكل فرد في العالم، والذي يبلغ 120.5 سلاح ناري لكل 100 شخص... وهذا مع ملاحظة أن الولايات المتحدة ليست مهددة بغزو ولا محاطة بكيان صهيوني استعماري استيطاني!
أما إذا قيل إن الأسلحة الشخصية ليست هي لبّ القضية، وإنما الأسلحة الثقيلة والاستراتيجية، والتي يجب أن تمتلكها الجيوش هي مكمن الأزمة، فلا بد لمن يطرح ذلك أن يتحدث عن سبب عدم امتلاك الجيوش لهذه الأسلحة، ولماذا هناك حظر على هذه الجيوش، وكيف أدى هذا المنع إلى استباحة الأراضي وتسهيل السبل أمام الاحتلال والتوغل المهين للبلاد المستقلة في ساعات محدودة!
كما ينبغي أن يتحدث القائل، والمفترض أنه الغيور على الشرعية، عن شرعية المقاومة الاحتلال، وهل توجد شرعية أم لا؟ وهل المقاومة تستطيع تنفيذ مهامها من دون سلاح أم لا؟
أم أن يكون المطلوب هو خلوّ البلاد من سلاح الجيوش والمقاومات لتصبح رهينة إما للغزو، أو تلقي الأوامر وهي صاغرة ذليلة؟ فهذا بحدّ ذاته انتحار قبل أن يكون استسلامًا للذبح الآتي تحت المزاعم الزائفة التي تحمل عنوان "الحريات والديموقراطيّة"..و"حب الحياة"..
كما كان وما يزال سلاح الفرد هو شرفه للدفاع عن نفسه وعرضه، فإنّ سلاح المقاومة هو شرفها، ومحاولة نزعه وسط الاحتلال والتهديد الاستراتيجي المستمر وعدم توفر استراتيجيات دفاعية هو عدوان على شرف المقاومين وعرضهم؛ لأنهم وهبوا أنفسهم للدفاع، ولن يسمحوا بعدم توفر أدواته ووسائله واستراتيجيات دفاعية مقنعة ببقاءالردع وحفظ الكرامة والسيادة.
المقاومة هي حامي شرعية الدولة؛ لأنها تحمي سيادتها وتوفر لها توازن الردع، بينما المتحدثون عن السيادة بنزع سلاح المقاومة هم أكبر منتهكي السيادة.. هم، بذلك؛ يوفرون للعدو استباحة الأرض وانتهاك هذه السيادة وكرامتها..
من لا يفقه هذا المفهوم القيمي لسلاح المقاومة؛ فهو يسير في تقدير موقف استراتيجي خاطئ؛ لأن هذه المعركة صفرية ودونها الرقاب.