اوراق مختارة

ضاعت الطاسة: بين animalistic وanomalistic

post-img

نزار نمر/جريدة الأخبار

كأنّها لم تكفِ الإعلام اللبناني إهانته من المبعوث الأميركي العنصري توم برّاك، أكمل الإعلام المهيمن انحطاطه الذي بدأه قبل أيّام مبعوث الإدارة السابقة آموس هوكشتين وأكمله مع مورغان أورتاغوس وصولًا حتّى الترويج لها وهي تصفّف شعرها في بيروت، فأعاد إهانة نفسه وسائر الجسم الإعلامي!

قنوات تحذف منشوراتها وتبرير باطل

بعد تفاعل «بهدلة» برّاك للصحافيّين في القصر الجمهوري الثلثاء، انكبّ التركيز على قوله «سلوك حيواني»، كأنّ المشكلة لم تكن سوى هذه الكلمة! هكذا، حذفت قنوات مهيمنة منشوراتها على منصّات التواصل، فقط من أجل تغيير كلمة «حيوانية» في عناوينها تماشيًا مع تبرير صحافيّين لبرّاك وردّ الفعل الرسمي الهزيل.

دأب صحافيّون وناشطون وغيرهم من ذوي التأثير الواسع على التبرير للمبعوث بأنّه قال anomalistic، وهي كلمة تعني عكس المعتاد، وليس animalistic التي تعني «حيواني». علمًا أنّ لفظ الرجل للكلمة واضح وضوح الشمس، وحتّى أنظمة الذكاء الاصطناعي التي حلّلت الكلام، بما فيها grok التابع لـX، أكّدت أنّه قال animalistic (كما عاد برّاك واعترف بنفسه في مقابلة مع الصحافي اللبناني ماريو نوفل أنّه استخدم كلمة «animalistic» ولكن «ليس بطريقة مهينة» على حدّ تعبيره).

استماتة للدفاع عن مبعوث أجنبي

هذا إذًا صنْف الإعلاميّين والمؤثّرين الذين يفترض أنّهم مؤتمنون على إيصال الحقيقة إلى اللبنانيّين، فيما جلّ ما قاموا به هو فضح ارتهانهم. لم يسبق أن حصل هذا الاستقتال من أجل الدفاع عن مبعوث دولة أجنبية، فكيف إذا كانت هذه الدولة الإمبراطورية التي تُنعت بشرطي العالم وتشارك في حصار لبنان والمنطقة وسرقتهما وتدميرهما منذ عقود، وكيف إذا كان هذا المبعوث آتيًا لابتزاز لبنان وفرض شروط عدوّه الأوّل عليه، وهذا العدوّ للمفارقة أكبر «مُتَحَيوِن» في العالم وليس المنطقة فقط؟

تركيز متعمّد على كلمة ومعايير مزدوجة

لننسَ إشارته إلى الحيوانات من عدمها، إذ إنّ التركيز على كلمة واحدة مقصود لحرف النظر عن باقي المهزلة. هل يرتضي هؤلاء بالطريقة التي توجّه إليهم بها؟

وهل يرتضون بقوله لهم: «أن يصمتوا وأن يتصرّفوا بطريقة حضارية وإنّ هذه مشكلة المنطقة»، و«تربيحه جميلة» بأنّه وأورتاغوس لا يعجبهما كونهما هنا، وهي جميعها عبارات واضحة ومدوّية؟

لا حاجة إلى طرح أسئلة أكثر من ذلك، سوى واحد: هل كان ردّ فعلهم سيكون هو ذاته لو كان «الضيف» إيرانيًّا؟ لا، فعندما يأتي الضيف الإيراني، ومهما كان لبقًا، ستطلّ mtv وأخواتها برؤوسها لفحص اتّجاه نظراته ولغة جسده وغيرها من «طقّ حنك» للوصول إلى مرحلة «تأكيد» استنتاجات من نسج الخيال!

أكثر من ذلك، فلنبتعد عن استخدام أجانب متخاصمين لتبيان النفاق والمعايير المزدوجة. ذات يوم، كان رئيس جمهورية لبناني، اسمه ميشال عون، في مقابلة تلفزيونية مباشرة.

يومها، توجّه إلى شلّة راكبي موجة «17 تشرين» أنّه «إذا مش ملاقيين في أوادم بهالبلد يروحوا يهاجروا»، فخضّت الدنيا وحُوّر كلامه بطريقة سوريالية إلى «مش عاجبك هاجر» وادّعوا أنّها موجّهة للشعب، رغم مشاهدة الجميع المقابلة ووجود تسجيل لها وللكلام الواضح فيها. واليوم يقومون بالأمر ذاته، لكن بطريقة معاكسة، فيشوّهون كلام اللبناني ويجمّلون كلام الأميركي.

الليبراليّون محرجون

من جهة أخرى، برز بعض الصفحات والناشطين والنوّاب ممّن يُعدّون من الخطّ الليبرالي أو «التغيريّين»، باستنكارهم كلام برّاك، رغم الحفاظ على مسافة متساوية وخطّ عودة، وهو ما رآه ناقدون مجرّد خطوة للحفاظ على ماء الوجه وادّعاء الاستقلالية بعدما أُحرجوا من التعاطي مع الصحافة بهذه الطريقة.

حرف للأنظار

في النهاية، نجح الإعلام المهيمن ليس فقط في إثبات أنّه صاحب أجندة خارجية، بل كذلك في حرف النظر عن رجل لطالما دافع عنه وعتّم على موبقاته، اسمه رياض سلامة. هكذا، امتُصّ بعض الصوت الذي كان سيُطلق اعتراضًا على إطلاق سراح سلامة، وأُدخل في ديباجة animalistic وanomalistic حتّى «ضاعت الطاسة»... إلّا عند أهل الجنوب الذين كان لهم رأي آخر، فتصدّوا للمبعوث الوقح نيابةً عن كلّ «حيوانات المنطقة».

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد