علي سرور/ جريدة الأخبار
في إطار السهام الأميركية التي تستهدف الإعلامي اللبناني، وبالتزامن مع التهجّم «غير اللائق» للموفد الأميركي إلى لبنان، توم برّاك، على الصحافيين المحليين، بثّت قناة «إم تي في» اللبنانية، يوم الثلاثاء، تقريرًا إخباريًا هاجمت فيه مئات المنصات الرقمية الناشطة في لبنان، متهمةً إياها بأنها تعمل بتوجيه مباشر من «حزب الله» في إطار «مخطط منظم» لتوجيه الرأي العام. التقرير صاغ اتهاماته في قالب خبري، لكنه حمل في طيّاته لغة دعائية لا تقل انحيازًا عمّا يدّعي فضحه.
أوردت القناة إنّ الحزب يحاول عبر هذه المنصات مخاطبة الأجيال الشابة بلغة جديدة، وإن خطابه تراجع من «هجومي واثق» إلى «دفاعي». واتهمت هذه المنصات بتوظيف استراتيجيات مثل «ابتكار المحبة»، أي صناعة روابط عاطفية مصطنعة بين المقاومة والناس، و«اصطناع القدسية» عبر لغة دينية تجعل أي اعتراض بمثابة خيانة.
كما أدرج التقرير قائمة من سبع وظائف لهذه المنصات، أبرزها الإيهام بإجماع شعبي حول السلاح، مهاجمة الخطاب السيادي، وتوجيه الجمهور نحو خصوم محددين. لكن القناة لم تعرض أي توثيق أو بيانات، مكتفية بسرد إنشائي يوحي بالتحليل فيما يفتقر إلى الحد الأدنى من الإثبات المهني.
لا يقتصر انتقاد التقرير على مضمون الطرح، بل على أسلوب تقديمه. فبدل أن يكون تحقيقًا استقصائيًا يقدّم أدلة وشهادات، بدا التقرير كأنه محاكمة سياسية مُسبقة، تستبدل البحث بالاتهام المباشر. المفارقة أن القناة التي تتهم الآخرين بتوجيه الرأي العام، سقطت في الفخ ذاته عبر صياغة خطاب موجَّه لجمهورها الخاص.
من ناحية أخرى، يتجاهل تصوير المشهد الإعلامي اللبناني على أنه شبكة واحدة خاضعة لـ «حزب الله» واقعًا أكثر تعقيدًا، فالمشهد اليوم يتكوّن من منصات حزبية، مستقلة، فردية وتجارية، وكلها تتنافس على مخاطبة جمهور متشظٍ، في ظل انهيار الثقة بالإعلام التقليدي الغارق بارتباطات مع السفارات، بعيدًا عن النبض الحقيقي للرأي العام المحلي.
ختمت «إم تي في» تقريرها بالقول إن لبنان في 2025 «يبتعد عن المعسكر المقاوم». لكن هذه العبارة أقرب إلى خلاصة موقف القناة لا إلى استنتاج مدعوم بالمعطيات. إذ إن البلد ما يزال منقسمًا بعمق حول خياراته الاستراتيجية، وما قدّمته القناة لا يغيّر في هذا الانقسام، ومجرّد إعلانها لهوية سياسية تتمناها للبنان، يصطدم بالواقع الذي تعترف فيه القناة نفسها، بأنّ هذه المنصات تجد سوقًا لأفكارها السياسية وتوجهاتها الوطنية، ووجود المئات منها بحسب القناة ضمن هذا التوجّه السياسي، يعني أنّ «المعسكري المقاوم» في عام 2025 ينمو في لبنان.
النتيجة أن التقرير الذي أراد كشف «الدعاية» انتهى بكونه نموذجًا صارخًا لها، ما يعكس أزمة الإعلام اللبناني نفسه: إعلام يرفع شعار المهنية، لكنه يتورط في الاستقطاب حتى العظم.