حمزة البشتاوي/ كاتب وإعلامي
بعد إقرار مجلس الأمن لمشروع القرار الأميركي بشأن غزة، يتوقع أن يعمل "طوني بلير" على إقناع دول عدة للقبول باستقبال فلسطينيين من قطاع غزة، ثم من الضفة الغربية والقدس، على الرغم من الرفض الفلسطيني الواضح، على المستويين الشعبي والرسمي، لمخططات التهجير التي تستهدف القضية الفلسطينية عبر مشاريع التوطين والتهجير.
بالتزامن مع التحضير للانتقال إلى المرحلة الثانية من "خطة ترامب"، بدأت عمليات تهجير مقنّعة عبر رحلات تهجير قسري نحو المجهول، وبإشراف مباشر من ما يسمى "مكتب الهجرة الطوعية" في وزارة الحرب الإسرائيلية واستنادًا إلى قرار المجلس الأمني الوزاري المصغّر الذي أمر بتخفيف القيود الأمنية كافة التي تعيق خروج الفلسطينيين من قطاع غزة.
من وحي هذه التوجهات جرى نقل 153 فلسطينيًا من قطاع غزة في طائرة مستأجرة؛ أقلعت بهم من مطار رامون في النقب باتجاه كينيا، ثم حطّت في مطار أورتامبو الدولي في جوهانسبورغ، من دون أن يكون معهم أي وثائق سفر صالحة، ومن دون ختم خروج أو تذكرة عودة، أو معرفة مسبقة عن وجهة الطائرة.
تعدّ هذه الرحلات الغامضة نوعًا من التهجير القسري وسط كثير من الريبة المحيطة بها قبل انطلاقها. وكان ركاب هذه الرحلة قد غادروا غزة نحو مطار رامون بحافلات، مع مرافقة من جنود من جيش الاحتلال الإسرائيلي، عبر معبر "كرم أبو سالم" نحو أرض لا تعرفهم، وهبطوا فيها كما تهبط الريح في الصحراء.
عن هذه الرحلة؛ تقول معلومات فلسطينية بأنّ شركة تُسمى "مجد" مسجّلة في أستونيا، ويديرها أشخاص إسرائيليون، أبرزهم "تومر حانار ليند" بدوافع مالية وسياسية وارتباط وثيق بجهاز "الشاباك" الاستخباراتي الصهيوني.
لم تكن هذه الرحلة هي الأولى؛ لقد سبقها رحلات أخرى ومنها رحلة سلكت الطريق نفسه، وأقلت 176 فلسطينيًا من غزة إلى جنوب إفريقيا؛ حيث أمّنت لهم منظّمة حقوقيّة أمكنة للإيواء لهم بعد يومين من الاحتجاز، في مطار أورتامبو في جوهانسبورغ، من دون ماء أو طعام لمدة يومين. وتسير هذه الرحلات وفقًا لأجندة إسرائيلية للتهجير القسري من قطاع غزة، وذلك تحت ستار جمعيات حقوقية وهمية، وسماسرة هجرة غير شرعية بأساليب مختلفة، بهدف إحداث تغيير ديمغرافي وإعادة تشكيل الخريطة السياسية وفقًا للمشاريع والمصالح الإسرائيلية والأمريكية.
أمام هذه الرحلات، كونها خطًا لتهجير قسري لسكان قطاع غزة نحو المجهول، فإنّ الفلسطينيين يحتاجون، اليوم، أكثر من أي وقت مضى إلى تشكيل قيادة وطنية موحدة سياسية واجتماعية واقتصادية لمواجهة سياسية التهجير الإسرائيلية الأمريكية وتعزيز التعاون والعلاقات مع القوى والدول التي تدعم بقاء الفلسطينيين في أرضهم وعودة اللاجئين إلى أرضهم والاستمرار برفض مشاريع الوصاية والاحتلال، خاصة بعد تحوّل المشروع الأميركي إلى قرار صادر عن مجلس الأمن يحمل الرقم 2803، وهذا ما قد يحول المأزق الإسرائيلي إلى فرصة تستغل لتحقيق مشروع إعادة هندسة قطاع غزة ديمغرافيًا وجغرافيًا.