اوراق مختارة

"الفجوة المالية": تسوية على قياس صندوق النقد… اعتراضات من المصارف والمودعين… و"المركزي" عالق بين الدولة والخسائر

post-img

سلوى بعلبكي (صحيفة النهار)

للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة المالية في لبنان، يطرح مشروع قانون متكامل للفجوة المالية، لمعالجة الانهيار، ينسجم إلى حد كبير مع متطلبات صندوق النقد الدولي، ويشكل الإطار التشريعي الأوضح حتى الآن لمحاولة توزيع الخسائر وإعادة هيكلة القطاع المالي.

بيد أن المشروع، على الرغم من الإيجابيات التي يبنى عليها، لا يزال يفتقر إلى عناصر أساسية تجعله قابلاً للتطبيق وأكثر عدالة، بما فتح الباب أمام اعتراضات واسعة من المودعين والمصارف، وتحفظ واضح من مصرف لبنان.

لا شك في أن مشروع القانون ليس مثاليا، ولن يكون قادراً على إرضاء جميع الأطراف. جمعيات المودعين عبرت عن رفضها للصيغة المطروحة، وهي محقة في عدد من مطالبها، لا سيما في ما يتعلق بحماية الحقوق المكتسبة وضمان العدالة في توزيع الخسائر.

في المقابل، تعارض المصارف المشروع بشدة، معتبرة أنه يحملها والمودعين العبء الأكبر من خسائر الأزمة بطريقة غير عادلة، ويخالف المعايير القانونية والمالية المعتمدة دولياً.

وترى المصارف أن المشروع يعاني ثغرات جوهرية، أبرزها غياب التحديد الشفاف للفجوة المالية لدى مصرف لبنان، وتجاهل مسؤولية الدولة المباشرة وغير المباشرة عن الأزمة، فضلا عن عدم الأخذ في الاعتبار قدرة المصرف المركزي على المساهمة من خلال تسييل جزء من أصوله.

وتحذر من أن هذا النهج يهدّد حقوق المودعين، ويقوض الثقة بالقطاع المصرفي، ويعرض الاستقرار المالي لمخاطر إضافية، مقترحة استخدام جزء من الذهب لتأمين السيولة اللازمة.

أما مصرف لبنان، الذي شارك في المداولات وأدى دوره كمستشار للحكومة، وزودها بالأرقام المتوافرة لديه، فهو بدوره غير راض كلياً عن مشروع القانون بصيغته الحالية. وتفيد مصادر مطلعة بأنّ "المصرف لبنان يعتبر أن المشروع يتضمن الكثير من النقاط الإيجابية، لكن تطبيقه يبقى مستحيلاً من دون مساهمة واضحة وصريحة من الدولة، خصوصاً أنّ السياسات المالية والعجز المزمن في الموازنات، وملف كهرباء لبنان، وسياسات الدعم، تجعل الدولة شريكاً أساسياً في التسبب بالأزمة المالية والمصرفية".

وتظهر السجلات الرسمية لدى مصرف لبنان أن الدولة مدينة له بما لا يقل عن 16.5 مليار دولار، وهو مبلغ اعترفت الدولة بإنفاقه لتسديد سندات يوروبوندز وفوائدها وغيرها من الالتزامات. إضافة إلى ذلك، ترتبت ديون جديدة على الدولة بعد عام 2019، تتجاوز قيمتها 13 مليار دولار "فريش".

ويعود الجزء الأكبر من هذه الديون، أي نحو 10 مليارات دولار، إلى سياسات الدعم للمحروقات وغيرها، التي أقرتها حكومة الرئيس حسان دياب في عهد الرئيس السابق ميشال عون. أما الجزء المتبقي، والمقدر بنحو 3 مليارات دولار، فيتمثل بمدفوعات سددها مصرف لبنان عن الدولة لتسديد قروض للمؤسسات والصناديق الدولية، ولشراء الفيول لمؤسسة كهرباء لبنان بين عامي 2020 و2023.

وتؤكد المصادر أنّ "مصرف لبنان لا يطبع الدولار الأميركي، وأنه أخطأ حين استخدم، تحت الضغط وبصورة قسرية، أموال المصارف المودعة لديه، أي أموال المودعين، لتغطية نفقات الدولة، سواء بموجب قوانين ألزمته بذلك أو قرارات حكومية. ومنذ عام 2020، فإنّ كل دولار سدده مصرف لبنان لصالح الدولة كان "فريش دولار".

بذلك، تكون الدولة مدينة لمصرف لبنان، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بما مجموعه نحو 30 مليار دولار. وفي حين أصبح معروفاً أن الدولة غير قادرة على تسديد هذه الديون كاملة، بيد أن إنجاح مشروع القانون يتطلب، كحد أدنى، اتفاقا واضحا بين الدولة ومصرف لبنان على إطار زمني وآلية لسداد جزء من هذه الالتزامات، أو على الأقل تسديد ما يعادل ربعها، أي نحو 8 مليارات دولار أميركي، مقسطة على 8 سنوات. فقيام الدولة بهذه الخطوة يتيح لمصرف لبنان الوفاء بالتزاماته، بينما غيابها يجعل القانون غير قابل للتطبيق عمليا.

في المحصلة، ثمة اجماع أن المسؤولية مشتركة بين الدولة والمصارف ومصرف لبنان. ومن هنا، فإن إدخال تعديل جوهري واحد على مشروع القانون قد يجعله أكثر عدالة وقابلية للتنفيذ. فمصرف لبنان، وفق ما تؤكد مصادره، لا يمكنه تحمل أكثر من 9 مليارات دولار، مقسطة على 5 سنوات، وهي في غالبيتها أموال للمودعين سيعاد ضخها إليهم. كما أن المصارف، بصفتها مسؤولة، يجب أن تتحمل ما لا يقل عن 6 مليارات دولار نقدا خلال الفترة عينها.

وإذا التزمت الدولة بمسؤولياتها وساهمت بدورها بنحو 6 مليارات دولار على 5 سنوات، يصبح تطبيق القانون ممكنا. .. وأكثر من ذلك، يتيح هذا التوازن رفع سقف الودائع المضمونة إلى ما بين 115 و120 ألف دولار، بدلا من 100 ألف دولار حاليا. إذ تقدر كلفة ضمان 100 ألف دولار بنحو 18 مليار دولار (تقدير غير نهائي)، في حين أن كلفة رفع السقف إلى 115 ألف دولار تصل إلى نحو 21 مليار دولار تقريباً.

أما الملاحظات الأخرى على مشروع القانون، ورغم أهميتها، فتبقى قابلة للنقاش والمعالجة بسرعة. غير أن الحل الحقيقي يبدأ باعتراف صريح من جميع الأطراف بمسؤولياتها، وتضمين هذه المسؤوليات بوضوح في نص القانون، مع تحديد آليات تأمين السيولة وحصة كل طرف (الدولة، المصارف، ومصرف لبنان)، ضمن جدول زمني دقيق، واضح، وملزم للجميع.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد