أوراق ثقافية

ترامب «يبيّض» متاحف أميركا

post-img

مروة جردي/جريدةالأخبار

لو عاد الممثل الأميركي بين ستيلر لأداء دور البطولة في جزء ثالث من فيلمه الشهير «ليلة في متحف»، لم يكن ليجد أفضل من «المتحف الوطني لتاريخ وثقافة الأميركيين من أصل إفريقي» من أجل تصوير جزء جديد يرصد فيه عودة أكثر من 36 ألف قطعة يضمّها المتحف للحياة بهدف مناقشة الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترامب. قرار يهدف إلى «تطهير» المتحف مما سمّاه الأفكار «غير المناسبة» أو «المناهضة لأميركا» للوصول إلى نسخة معقّمة من المتحف، وربما من تاريخ الولايات المتحدة تعكس صورةً وردية لا يعرف فيها الناس عن العبودية والتمييز العنصري وحقوق المساواة.

كما لو أنه فيلم بالفعل، شهد المتحف الذي يضيء على تاريخ الأميركيين الأفارقة وثقافتهم في واشنطن زيارات عديدة وتفاعلًا شعبيًا وإعلاميًا أوسع، بعدما اتّهم ترامب إدارة المتحف وغيره من متاحف مؤسسة «سميثسونيان» التي يتبع لها باعتماد «أيديولوجيا ضارة».

لا سود بعد اليوم

أثار قرار ترامب جدلًا واسعًا فيما عبّر معارضون عن خوفهم من أن تكون هذه السياسة بدايةً لعمليات تقييد لمساحات التعبير وتهميش مجموعات من المواطنين، فيما يتجنب المسؤولون في مؤسسة «سميثسونيان» بإدلاء تصريحات للإعلام، إذ قد يتم استهدافهم هم والمؤسسة التي تعتمد في ثلثي نفقاتها على الموازنة الفيدرالية بشكل أكبر مثل «مركز كينيدي» الذي سبق أن استهدفه ترامب أيضًا.

ناضل مجتمع الأميركيين من أصول إفريقية سنوات طويلة للحصول على الموافقة بإنشاء متحف يسلط الضوء على تاريخهم وثقافتهم. وكان المشروع قد رُفض سابقًا من أسلاف ترامب بذريعة أنّ «ذوي البشرة السوداء لم يسهموا بشيء في الولايات المتحدة»، بما يظهر أن صوت ترامب يعكس صوتًا أصيلًا في المجتمع الأميركي «لا يتقبل الآخر وغير نادم على الجرائم التي ارتكبها على أساس تفوق الإنسان الأبيض». وهذا يفسر سياسة أميركية تجاه ضحايا الجرائم الاستعمارية في العالم الثالث عبر التاريخ، وتجاه الإبادة الممنهجة التي ترتكبها إسرائيل منذ أكثر من سنة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

حتى الباندا ممنوعة!

يبدو أن ما يصفه مراقبون «بالحرب الثقافية» التي يشنّها ترامب لا تقتصر على مؤسسات ثقافية بعينها، بل تنطوي على سعي أوسع لبسط سيطرة على الهوية الأميركية ذاتها، عبر طمس الأبعاد التي تعكس التعددية والانفتاح. فالأمر التنفيذي ذهب إلى حدّ الإشارة إلى «حديقة الحيوانات الوطنية» التي استقبلت أخيرًا زوجًا من الباندا من الصين، باعتبارها قد تكون بحاجة إلى «تطهير» من محتوى غير ملائم. وتنسجم هذه القرارات مع السياسات التمييزية والإقصائية التي شنها ترامب في فترة ولايته الأولى ضد المهاجرين والمسلمين، واليوم يبدو أنه نقل سياسته إلى دخل منزله.

نظام استبدادي يلوح في الأفق

تشير تحليلات أكاديمية إلى أن خطوات ترامب تُحاكي أنماط السيطرة التي تلجأ إليها الأنظمة الاستبدادية لترويض الثقافة وتوجيه المؤسسات التي تمنح المجتمعات الإحساس بالذات والانتماء. فالأمر لم يعد مقتصرًا على المؤسسات السياسية أو الاقتصادية، بات يمتد إلى «المتاحف والمراكز التي تروي الحكاية الجماعية للأمة». ورغم خطورة ما يقوم به دونالد ترامب، إلا أنّ تغيير التاريخ يحتاج أكثير بكثير من «تعقيم» متحف، فجرائم الإنسان الأميركي الأبيض المتفوق لم تنته إلى اليوم، والعالم كلّه بحاجة إلى متحف لا حدود له يدين جرائم الولايات المتحدة بدءًا من أول شخص من الشعوب الأصلية لأميركا الشمالية وصولًا إلى آخر طفل يمني لا يزال يستيقظ وينام على أصوات الصواريخ الأميركية في صنعاء. وربما حينها من الأسهل لتخفيف النفقات وضع الإدارة الأميركية في متحف يستعرض تاريخ «الاستبداد وممارساته».

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد